أليس في استطاعة أدناكم علماً بالإسلام أن يأخذ الإسلام عن أبويه أو ذوي قرباه, أو عن أي مسلم آخر؟ فإن هؤلاء العامة من المسلمين-مهما بلغوا في الجهل- فإنهم أحق من الأجانب وأجدر أن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. إنه ليس من عجب يا سادتي أعجب من أمركم هذا!
* * *
تقول يا سيدي فلان (أعني المحاضر) "ينبغي لنا أن ننبذ التعصب الديني (الإسلامي) ظهريا, فلا يحملنا التعصب على ترك هذه الحضارة الغربية اللامعة, إلى حضارة إسلامية يقال أنها كانت في القديم لآبائنا المسلمين ... "وهذا هو نفس ما يقول الاستعمار (كما قدمته لكم آنفا) الذي يريد أن يرزأنا في كل شيء, يريد أن يرزأنا في قوميتنا وأن يرزأنا في ديننا, حتى لا يكون هنالك عندنا ما يعصمنا من أن يلتهمنا الاستعمار التهاما, ويأكلنا أكلا لما, فنندمج فيه يومئذ اندماجا لا يبقى منا معه شيء, فإذا نبذنا هذا التعصب الديني، أعني إذا تركنا ديننا ونبذناه ظهريا وانسلخنا من عوائدنا وأخلاقنا, وأنكرنا كل صلة تربطنا بآبائنا الأولين, ثم تهافتنا على هذه الحضارة الغربية, فتفرنجنا واندمجنا, وأسرفنا في التفرنج والاندماج, حتى يغمر التفرنج والاندماج منا كل شيء, وحتى لا تكون علينا سمة من سمات الإسلام, وحتى لا يبقى عندنا ما يصح أن نتسمى به مسلمين, فهل نكون يومئذ بعدما خرجنا من ذاتيتنا, ومسخنا عن أنفسنا, قد تمدنا وترقينا؟ وهل يعترف العالم الغربي يومئذ بان لنا في هذه الحياة مركزا ممتازا؟
والجواب أننا لا محالة نصير يومئذ إلى الموت والاضمحلال و بئس المصير.
والشيء السخيف, المضحك, أيها السادة, هذه الدعاية التي تدعونا إلى أن نترك حضارة آبائنا المسلمين, إلى هذه الحضارة الغربية اللامعة ... فان مثلنا- اذا فعلنا ذلك وانخدعنا- مثل من لا يعجبه أبوه الذي ولده, فيتركه, ويتخذ لنفسه أباً آخر لامعاً جميلا! أروني أيها السادة رجلاً واحداً يستطيع أن يخرج عن الطبيعة, فيرضى بأبيه بديلا, أو قل فيرضى إن يكون ابنا لا أب له فالذين يدعوننا إلى ترك حضارة آبائنا إنما يدعوننا إلى أن نعلن على الملأ: إننا مالنا من أباء.
يعجبني منكم أيها السادة ذلكم الشاب الذي استعار اسم"كامل بن سراج"حين يقول:" .. وهل من مصلحة العالم أن يكون كله أوربوياً غربياً؟ وقد استبدلت اليابان منازل باريس بمنازل اليابان الخشبية, ولكن هل أغناها ذلك من الزلزال شيئاً؟ ... "يقول هذا ردا على لويس بيرتران الذي يقول:" .. الشرق مريض بالتعصب الديني الذي يحرمه من الحضارة الغربية, ومن الاندماج في الغرب .. "و أنا أرجو لكم أيها الشبان أن تكونوا كلكم مثل هذا الشاب الذي تعرفونه وإن كان يستعير اسم (ابن سراج) وكلكم تعجبون به إعجاباً كثيراً, وتقدمونه عليكم إماما وزعيما سادتي وإخواني, إن في هذه الحياة الغربية زينة ولمعانا وإن فيها لحبائل وخدائع"فلا تغرنكم الحياة الدنيا, ولا يغرنكم بالله الغرور"ولا يفتننكم شياطين الاستعمار, فيفسدوا عليكم دينكم, ويخرجوكم من كل ما بقي لديكم من شرف واستقامة, كما أخرجوكم من دياركم وأموالكم بغير حق.
و ليس في التعصب أكبر مقتاً من تعصب هؤلاء الغربيين, فهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم"وان فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"يعلمون أن من الحق أن نحتفظ بكرامتنا وبقوميتنا وبديننا, ولكنهم لتعصبهم الغربي يعدون ذلك علينا"تعصباً دينياً ممقوتا".
أخبرني أحد أصدقائي أنه كان عرف أحد الصحفيين الفرنسيس في مدينة بسكرة الجميلة, وأن هذا الصحفي أعجبته بسكرة هذه بحسنها وجمالها, فأقام فيها دهراً طويلا, عاشر فيه المسلمين, وعرف أخلاقهم وعوائدهم, فأعجبه ما رأى فيهم من فطرة سليمة, وخلق كريم. وعلل ذلك بأن هؤلاء المسلمين (في بسكرة) وان كان أكثرهم من العامة البسطاء فإنهم مازالوا على الفطرة الإسلامية, فهذه الأخلاق الكريمة الباقية فيهم هي من فضيلة الإسلام التي مازالت بعيدة عن مساويء هذه الحضارة الغربية الآثمة.
¥