قال صديقي الراوي: وزارني هذا الصحفي مرة في يوم قائظ شديد الحر, لا يزور فيه المرء ولا يزار. قال: فحياني بتحية الإسلام, فرددت عليه بأحسن منها, ثم قال لي: يا فلان, أتدري فيم أتيتك في هذه الساعة؟ قلت الله أعلم قال: القلق واضطراب البال هما اللذان حملاني على أن أزورك الآن. قلت: وهل حدث مكروه؟ قال لا, ولكني رجل قد مللت حياة العزوبة والانفراد, وأصبحت أشعر بالحاجة إلى زوج صلحة أسكن إليها, وتخفف عن كاهلي أعباء هذه الحياة, وتهون علي همومها وأحزانها وتقاسمني حلو الحياة ومرها, وسراءها وضراءها. وقد نظرت في هذا الأمر, وقلبته على كل وجه, فإذا الزواج عسير علي غير يسير. فهؤلاء النساء الأوربيات السافرات وإن كن متأنقات متمدنات فهن إنما يصلحن للهو واللعب, وقليل منهن (إن لم أقل ليس فيهن) من تصلح أن تتخذها حرماً مصونا.
قال الراوي: فقلت إنكم تشكون نساءكم, ونحن نشكو نساءنا وجهلهن. وأنتم تشكون السفور, ونحن نشكو الحجاب فقال: قولوا الحمد لله على نعمة الإسلام, وما بثه بينكم من خلق متين, وقولوا "الحمد لله الذي هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".فالمسلمات قد أدبهن الإسلام, فإذا هن حور مقصورات في الخيام, قاصرات الطرف على بعولتهن, طائعات لأزواجهن, لا يعصينهم في معروف, مقتنعات بالقليل الذي قسم الله لهن, مكنونات في خدورهن, غير متبرجات بزينة, حافظات للغيب بما حفظ الله. فماذا تريدون من نسائكم المسلمات, بعد هذه الصفات الفاضلة؟ هل تريدون أن تعلموهن في هذه المدارس الفرنسية, فلا يتعلمن فيها بدل حسن الخلق إلا التمرد والعصيان, و إلا التفنن في الشهوات إلى حد من الاستهتار بعيد, و إلا الإسراف في النفقات على الأحذية وطلائها, وعلى الجوارب والمساحيق حتى يعجز أزواجهن أو آباؤهن عن تسديد نفقاتهن, وحتى لا يكفيهن من النفقة قليل ولا كثير؟
إياكم- أيها المسلمون, أن تغتروا بأكاذيب هؤلاء الغربيين الذين لم يعترفوا من شدة تعصبهم بكرامة المسلمة ولم يقدروها حق قدرها. فهم يسمون حجابها سجنا, وحياءها جموداً, وطاعتها لزوجها حيوانية وجهلا. ومن تعصبنا نحن الغربيين أننا لا نسمح لأنفسنا أن ننتقد ما عليه مجتمعنا من نقص وفساد, بل بلغ بنا الرضى عن أنفسنا أننا نسمي استهتارنا حرية وإسرافنا في امرنا تنفيذ إرادة, وهكذا نستر عيوبنا وضعفنا تحت لمعان الألفاظ, وخداع العناوين.
قال الراوي: ثم قال لي هذا الصحفي الفاضل:- هل تدري يا فلان لماذا أتيت إلى بسكرة؟ قلت: لا أدري.
قال: جئت مندوبا من بعض كبريات الصحف بباريس, لأضع لها "رواية" عن العائلة الإسلامية تنشرها تباعا. وتأخذ منها خلاصة تمنحها دور السينما (الصور المتحركة) ,وكانت هذه الجريدة تنتظر مني, وكان الناس ينتظرون مني, أن أضع روايتي هذه, وأصور فيها العائلة المسلمة أو بالحري المرأة المسلمة على أشد ما يمكن أن تكون توحشاً وانحطاطا ولكني بحثت هذا المجتمع الإسلامي فوجدته طاهراً بسيطا, لم يتشوه بالحضارة الغربية, وآثامها. ففاوضت الجريدة وراجعتها في موضوع الرواية وأسلوبها فرضيت, ولكن على شرط لم أرض به أنا ..
بحثت عن الإسلام في هذه العائلة الإسلامية الطاهرة الخالصة فإذا هو دين الحق الذي يجب على من في الأرض أن يؤمنوا له كلهم جميعا. وأحببت أن اسلم وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا وما أنا من المشركين, وأحببت أن أذيع إسلامي بين الناس, وأحببت يومئذ أن أتزوج بامرأة مسلمة مؤمنة, ولكني خشيت أن يزدربني هؤلاء الغربيون المتعصبون الفضوليون.
لو كنت من نطلق الناس ودهمائهم لا سلمت ولسعدت بإسلامي, ولكني صحفي يعرفني جميع الناس ويهتمون مني بكل صغيرة وكبيرة, فإذا أعلنت إسلامي فسيمطرونني وابلا من الشتائم, وسيصورونني صوراً هزلية لاذعة مرة تذهب بكل مالي من صبر واحتمال.
قال الراوي: ثم قال لي: هل تدري ماذا أريد منك الآن؟
فقلت: لا أدري, ولكني أتشرف بان أكون طوع إشارتك.
فقال: أريد منك أن تفتيني أو أن تستفتى لي أحد علماء الدين (الإسلامي) في رجل يؤمن بالله واليوم الآخر, ويهتدي بهدى محمد-صلى الله عليه وسلم- ثم يكون كذلك في خاصة نفسه, لا يهيج على نفسه فضول الناس ولا تعصبهم. فهل يكون عليه من سبيل وهل يقبل الله منه عدلا أو صرفا ...
فقلت له: إن الله أرحم وأكرم من أن لا يقبل من رجل مؤمن يكتم إيمانه.
¥