فقال: فاشهد لي إذن بأني"أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله". وبأني من المسلمين.
* * *
سادتي, هل رأيتم تعصباً أشد مقتا من تعصب هؤلاء القوم؟ وهذا رجل صحفي آمن بالله وبرسوله, وكتم إيمانه مخافة أن ينال منه قومه, ويصموه بالتأخر والتدين, تعصباً منهم وفضولا. يصموننا بالتعصب إذا نحن استمسكنا بديننا, واحتفظنا بما عندنا من طربوش وعمامة, ولكنك إذا رجوت من أكثر فلاسفتهم حرية فكر وإرادة أن ينتزع قبعته من على رأسه ويضع مكانها عمامة أو طربوشاً, فلا تراه إلا محتفظاً بقبعته ويعتز بها اعتزازا.
واذا كان الغربي المستعمر لا يعجبه أن يرى على رأسي طربوشاً, أو يستقبح منظر عمامتي, فهل ألام أنا إذا هو لبس قبعة سوداء أن أراها على رأسه غراباً أقبح ما يكون شؤماً وسواداً؟!
(وهنا ضحك الحاضرون, واستغرقوا في الضحك, ونزع المتقبعون منهم قبعاتهم التي على رؤسهم).
هم يحتفظون بعوائدهم وقوميتهم, ويعتزون بأنفسهم, فلماذا لا نتعلم منهم – على الأقل- هذه الخصلة, فنحتفظ بديننا وقوميتنا ونعتز بأنفسنا؟
و بماذا تريدون أن أستشهد لكم على تعصب هؤلاء الناس, بعدما حرموا عليكم- وهم إخوانكم وزملاؤكم في طلب العلم- أن تدخلوا معهم في جمعيتهم التي أسسوها باسم (جمعية التلاميذ) فاضطررتم أنتم أن تؤسسوا جمعية لأنفسكم, ونعم ما فعلتم.
سادتي, أريد أن أذكر لكم في هذا المقام مسألة ينبغي لكل مسلم أن يهتم بها اهتماماً كبيرا, وهي مسألة فيها شرح وبيان لما نحن فيه:
نرى كل يوم من هذه الجاليات الغربية في بلاد المغرب ناساً يدخلون في دين الله, ويعتنقون الإسلام. حتى صاروا الآن عدة آلاف, وهم كل يوم يزيدون والنساء منهم نحو ثمانين في المائة. وقد بحثت هذه المسألة واستقصيتها, فانتهيت إلى أن الأسباب التي تحمل هؤلاء المسيحيين على اعتناق الإسلام ترجع في صميمها إلى الدعاية الفعلية التي يقوم بها العامة المسلمون ضمناً من غير قصد منهم وذلك حين ما يذكرون دينهم على سبيل الفخر والاعتزاز فيؤثرون على من يستمع لهم من المسيحيين. و كانت المسيحيات اللاتي أسلمن أكثر عددا ًمن المسيحيين الذين أسلموا, لأن نساءنا المسلمات أكثر احتفاظاً بالإسلام من الرجال المسلمين. وأشد منهم مناضلة عن دينهن وأخلاقهن وعوائدهن.
كنت مرة ضيفاً عند احد أصدقائي في ضاحية من ضواحي الجزائر (العاصمة) , وإننا لنتحدث بمثل هذا الحديث إذ سمعت امرأة من وراء حجاب تقول: وأنا الأخرى كنت امرأة مسيحية, ثم أسلمت بسبب من مثل ما تقول يا سيدي. كنت اشتريت ثوباً حريريا أنيقا, ولبسته ذات يوم من أيام الصيف, وكانت لي جارة مسلمة فدخلت عليها في ذلك الثوب الجديد. وما هي إلا أن رأتني, ورأت أعضائي بادية, ونهودي عارية, حتى قامت تؤنبني وتستقبح مني أن ألبس مثل هذا الثوب الذي لا تتبين به كاسية من عارية! فأثرت نصيحتها في نفسي تأثيراً بليغا: فانتزعته منذ ذلك اليوم, ثم لم ألبس بعده ثوبا قصيفاً خليعا, واكتسبت من الإسلام ثوباً سابغاً عفيفا. فالحمد لله على الستر, وراحة الخدر ...
فالمسلمة الجزائرية- أيها السادة- أصلح حالا من الرجل, لأنها ما زالت أبعد منه عن التفرنج.
وأخرى, فان العامة المسلمين الذين يتزوجون بالأجنبيات يتمسكون بدينهم تمسكا حبب الإسلام إلى نسائهم, وزينه في قلوبهن, وكره إليهن الكفر والفسوق والعصيان, ففررن إلى الله, ودخلن في الإسلام. وأكثر هؤلاء المسلمين الذين يتزوجون بالأجنبيات, ويهدونهن إلى الإسلام هم من أهالي جبال زواوة الذين يذهبون إلى فرنسا عملة كاسبين, ويرجعون إلى الجزائر متزوجين.
والحقيقة المرة أيها السادة بأنني لم أجد شخصا واحداً قد اهتدى إلى الإسلام على يد شاب متنور منكم.
وأمر من ذلك وأدهى أننا نرى العامي المسلم يتزوج بالأجنبية, فلم يزل بها يدعوها إلى الله, حتى تسلم ويحسن إسلامها. وإننا نرى الشاب المهذب من هن هؤلاء الذين تعلموا في مدارس الفرنجة يتزوج بالإفرنجية, فلم تزل هي به حتى يتفرنج ويكفر.
هذه حقيقة مرة مؤلمة, ولكن يجب الاعتراف بها وإعلانها بين الناس.
¥