يجب أن يذع في القريب والبعيد أن هؤلاء الشبان المتنورين أصحاب الشهادات العلمية الاوربوية العالية الذين عقد الوطن بهم الأمل في أن يجلبوا إليه خيراً كثيرا, قد ولوا الأدبار, واندمجوا في الفرنجة اندماجا, على أيدي أزواجهم الأجنبيات, على حين أن هؤلاء الأجنبيات يخرجن من الظلمات إلى النور على أيدي أزواجهن من العامة المسلمين, فيعدن مسلمات مؤمنات صالحات.
ويجب علينا- أيها السادة- أن نعترف ونذيع في الناس أن سبب هذا الأمر هو هذه المدارس الإفرنجية التي أطفأت في صدور الشبان حب الاحتفاظ بالقومية, وأضعفت في نفوسهم الشعور الإسلامي الذي يشعر به المسلمون.
على أن التزوج بالأجنبيات هو أمر ضرره فادح جداً على القومية الإسلامية, وليس فيه أدنى خير, فالشبان الذين يتزوجون بالأجنبيات يتركون بنات أعمامهم بلا بعولة ولا أزواج يعولونهن ويقومون على ضرورياتهن , وربما أداهن الفقر والحاجة إلى أن يصبحن خطراً على المجتمع الإسلامي وعلى ما فيه من الحشمة ومكارم الأخلاق.
وما من شاب مسلم ترك بنت عمه المسلمة العربية المحتشمة وتزوج بأجنبية من اللائي لا يعرفن الحياء إلا وقد ندم على زواجه من حيث لا ينفعه الندم, وكان عاقبة أمره خسرا, ولم يكن زواجه موفقاً ولا سعيدا. وذلك لأنه لا يكاد يقضي أيام العرس الأولى حتى يجد بجانبه امرأة تزدريه ولا تحترمه, ولا تعرف له قيمة أو اعتبارا, وهي تحمل لجنسه العربي الكراهية والبغض, وتعتقد أن زواجها به عليها مصاب عظيم, وتعتقد أنها كانت تطلب فيه زوجا كريما فوجدت فيه عبداً لئيما.
ويجد هو نفسه قد غلط وأخطأ التقدير فقد طلب فيها وردة تفوح وتعبق فإذا هي أفعى يلعو فحيحها وصريرها.
وما من فرنجية تزوجها شاب مسلم من هؤلاء وولدت منه ولداً إلا وتسمى أولادها بأسماء فرنجية غير عربية ثم لا يكبر هؤلاء إلا وهم فرنجة ليسوا عرباً ولا مسلمين.
وكان شاب مسلم عربي من هؤلاء- وهو طبيب- قد تزوج بأجنبية فولد لهما ولد ذكر فسماه أبوه"صالحا"وسمته أمه"موريس" فقال فيه كاتب الجزائر الفكه وشاعرها المبدع الأستاذ محمد الأمين العمودي الكاتب العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين هذه الأبيات الحلوة:
حيي الطبيب ولا تنس قرينته ... فهو سليمان و"المدام" بلقيس
له غلام أطال الله مدته ... تنازع العرب فيه والفرنسيس
لا تعذلوه إذا ماخان ملته ... فنصفه"صالح"والنصف"موريس"
وفي الحق أن هاته الأبيات هي منطبقة على جميع هؤلاء الشبان المغرورين الذين يتركون قريباتهم العربيات ويتزوجون بالأجنبيات البعيدات.
كيف يتفرنج المتفرنجون من شبابنا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق, وجاءهم البينات؟ فان فعلوا ذلك ليرضى عنهم الاستعمار, فالله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين. (وهنا هاج الحاضرون وصاحوا: لا نرضي الاستعمار. نرضي الله ورسوله. ليَعلُ الاسلام ... )
* * *
وتستبشر يا سيدي (المحاضر) بحركة التجديد في مصر, وبلاد الشرق, وتتمنى أن ينتصر فيها السفور على الحجاب, وتستنهض إلى الأخذ بيد المسلمة الجزائرية حتى تكون كالمرأة الفرنسية حرية وسفورا. وأحسبك يا سيدي تعني بكلمة حركة التجديد في الشرق تلك الحركة التي هي أحرى أن تسمى حركة "الإلحاد والتقليد"منها أن تسمى حركة "تجديد" لأن غايتها التفرنج والاندماج في الغرب اندماجا تاماً بكل معنى الكلمة. و يقوم بهذه المشاغبة ناس تعلم أكثرهم في المدارس أجنبية غير إسلامية أسست لمثل هذه الغاية في الشرق. ثم خرجوا منها"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم, ويأبى الله الا أن يتم نوره".
إنها إن تكن فتنة (الإلحاد والتقليد) يقوم بها كثير من أعوان الاستعمار في الشرق, فإننا لا نخاف منها خوفاً شديداً. لولا فتنة التجديد والإلحاد هذه لما قام أعلام الأدب العربي ورجال الإصلاح الإسلامي يجاهدون في الله حق جهاده ويقومون حقاً بحملة"الإصلاح والتجديد"مثل العلامة السيد رشيد رضا وأمير البيان الأمير شكيب أرسلان, والأديب الإمام السيد مصطفى صادق الرافعي و ... ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه عرفناهم في "الزهراء" و"المنار" و"الفتح" المبين.
¥