وكل هذه الجلبة التي نسمعها في الشرق (غير الجزائر) تحوم حول ما تكلم به آنفا سيدي (فلان) في هذه البلاد (الجزائر).فالتجديد كله هو"تحرير" المرأة المسلمة وسفورها, أو قل هو كشف المرأة المسلمة وهتك سترها, ثم ليس هنالك في"التجديد" شيء آخر غير هذا.
الحجاب أيها السادة فريضة فرضها الله على أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين وقال في كتابه العزيز: (يا نساء النبي .... وقرن في بيوتكن, ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ... " ثم اقتدت المؤمنات بأمهات المؤمنين, ثم أخذ الحجاب يفشو بين المسلمات على مقدار ما تستبحر الحضارة بين المسلمين. فالحجاب أثر من آثار التمدن الإسلامي, بقي بأيدينا تراثا عن آبائنا الأولين. فهل إذا أضعناه نكون قد أحسنا لأجدادنا, وبررنا بهم برورا, أم نكون أسأنا إليهم وعققناهم عقوقا؟
إن الحجاب أيها السادة هو فصل ما بين الرجل والمرأة لتنقطع هي إلى منزلها تصلحه وتربي أولادها, وينقطع هو إلى العمل والاكتساب خارج البيت ثم ماذا تريدون من سفور المرأة المسلمة الجزائرية؟ تقولون إنكم تريدون لها أن تخرج إلى حياة العمل والجهاد. ولكن هل نسيتم أنكم في بلد أكثر أبنائه في عطلة وبطالة؟ فهل تريدون لنسائنا أن يعشن أيضا عاطلات متشردات؟ يذرعن الطرقات جيئة وذهابا طول النهار وزلفا من الليل.
كتب كاتب مسلم في إحدى الصحف الإفرنسية فصلا يدعو فيه المرأة المسلمة إلى السفور, فأجابته فتاة مسلمة في الصحيفة نفسها, وسمت نفسها "فاطمة الزهراء"جوابا حقا, ما ينبغي لأحد بعده أن يدعو المسلمات إلى السفور. وتقول له في هذا الجواب: ( .. ولا يعزب عن بالك يا سيدي إذا أنت دعوتنا إلى السفور أننا معشر المسلمات لا نفهم عنك إلا أنك تدعونا إلى أن نقضي نهارنا في البارات, أو في الطرقات نفتش على أصحاب من الرجال نقودهم من أنوفهم إلى المسارح والمراقص فنبيت نرقص حتى نتعب ونظمأ, فإذا عطشنا عجنا بالبار (الحانة) نشرب ونستجم (نستريح).ثم نعود كمثل ما كنا فيه, "وهكذا, دواليك ... "هذا هو ما تفهمه المسلمة الجزائرية عنكم إذا أنتم دعوتموها إلى السفور. فهل فهمتم أنتم أيها الشبان؟ إنه مهما بالغ دعاة السفور في دعوى أن العفة ليست في الحجاب, فما هم بقادرين على أن ينكروا أن الحجاب هو أعون على العفاف, وأنه هو أقرب للتقوى.
في أي جو من أجواء السفور تستطيعون أن تجدوا العفاف أيها السادة الإخوان؟ أتجدونه في هذه الحضارة اللامعة التي تسيل خلاعة واستهتار؟ أم أين تجدونه إلا حيث لا يكون سفور؟ أو حيث لا يكون اختلاط بين الرجال والنساء! ما أريد أن أنبهكم يا سادتي إلى هذه الملاعب والمراقص والملاهي والمسارح الحمراوات (جمع الحمراء) وما يكون فيها من إثم وغي. ولا إلى هذه الروايات التي تمثلها دور السينما (الصور المتحركة) فتمثل فيها الغواية والضلال, تمثيلاً يغري الزوجة بالغدر والخيانة, ويزين لها ذلك تزيينا وهل أكثر هذه الروايات التي يسمونها روايات حب وغرام إلا روايات غدر وخيانة وإثم, سميت بغير أسمائها تلبيساً وتضليلاً, ودعاية إلى الشر والفساد.
وإنما أريد أن أذكر لكم أن في الجنوب الجزائري الشرقي (من عمالة قسنطينة) ولاية صغيرة, اسمها:"سوف"واسم قاعدتها "الوادي" وكلكم فيها أظن تعرفونها. و"سوف" هذه هي من أكثر بلاد الله ديناً وصلاحا, ومن أكثر بلاد الله طهراً وعفافا. ومع ذلكم فإن فيها مدينة آهلة بما يناهز العشرين ألفا من السكان اسمها: (كمار).واختصت (كمار) هذه من دون بلاد"سوف" كلها بسفور النساء وتحريرهن, حتى لا تتزوج فتاة في (كمار) إلا بعد أن تتعرف بخطيبها, وتختار لنفسها الزوج الذي تريد, على العادة الجارية بين الفرنجة اليوم. مع أن أهالي (كمار) ما زالوا على حالة بداوة وبساطة في كل أساليب العيش, ولكن هل في (كمار) حيث السفور, واختلاط الرجال بالنساء تجد العفاف الشديد الذي تجده فيما حولها من بلدان "سوف"حواضرها وقراها؟
إن"الوادي"و"البهيمه"و"الزكم"و"كوينين"وغيرها من مدائن"سوف"وقراها من أشد بلاد الله تمسكاً بالحجاب, ومن أشد بلاد الله عفة واستقامة. "وكمار"وحدها (وهي في وسط سوف, وأهاليها سوافة) ترتكب فيها كبائر الإثم, أو تقع فيها حوادث الحب والغرام (كما يقولون) وكان أعيان (كمار) وأهل الفضل فيها حجبوا النساء, ومنعوهن من السفور, والاختلاط بالرجال, ولكن شيخ طريقة صوفية دعا بالشر على كل امرأة تبقى في خدرها, ولعن كل فتاة تحتجب, لعناً كثيرا, فعاد النساء إلى السفور وتركن الخدور.
وكذلكم جبل (آوراس) حيث السفور والاختلاط, وجبل (العمور) أيضا.
فهذه الشواهد أيها السادة تدل دلالة واضحة على أن السفور المختلط-بدوياً كان أو مدنيا- هو دون الحجاب من حيث اشرف والعفاف.
ينبغي أن تحتجب المرأة الدميمة فتستر على نفسها قبحها ودمامتها, وينبغي أن تحتجب المرأة الجميلة حتى لا يفتتن بها الناس.
وختمت حديثي بهذه الكلمة:
سادتي, هل أدلكم على النجاة مما نحن فيه؟: تؤمنون بالله ورسوله, وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم, وتتخذون لكم معهداً إسلامياً تتعلمون فيه الاسلام, وتدرسون فيه كتاب الله, وسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.فإن فعلتم فعسى أن تكونوا من المهتدين, وإن لم تفعلوا فلن تفلحوا إذن أبدا.
وما انتهيت من حديثي إلى هنا حتى كاد القوم يطيرون فرحاً وسرورا.
يتبع بإذن الله تعالى في الحلقة التالية بعنوان:" في أحد متنزهات وهران" ...
¥