ولما انبرى عالم جليل من أشهر أساتذة القانون في إحدى الجامعات الأميركانية إلى هذه المجلة يرد عليها باطلها, وينكث غزلها لم يكد ينقل جوابه أحد في الغرب ولا في الشرق.
وهذا الأستاذ المنصف يستحسن شريعة القرآن ويدعو إلى العمل بها ويفضلها على غيرها من سائر القوانين الوضعية.
وهو يتمنى على جميع المحاكم في سائر البلاد أن تعاقب القتلة السفاكين واللصوص المجرمين بنفس العقوبات التي جاء بها القرآن الكريم, وهو يقول:" لو أننا في أميركا مثلا عملنا بشريعة القرآن لكنا اليوم في راحة تامة مما نقاسيه من الشرور والويلات فلو قطعنا يد سارق واحد لانقطعت السرقة من أصلها, ولما خشي الآباء والأمهات من هؤلاء اللصوص المجرمين الذين يختطفون الأطفال ابتغاء الفدية والمال .. " ثم قال: والذين لا يعجبهم أن تقطع يد السارق .. ويزعمون أنهم يدافعون بذلك عن الحضارة إنما هم في الحقيقة لصوص محتالون يدافعون عن أيديهم التي تعودت السرقة والاختلاس ... "
* * *
وانتقلنا بعد إلى شجن من شجون هذا الحديث: حديث التبشير الإسلامي وما يتصل بمسألة التبشير الإسلامي. فذكرنا جالية الإسبان في الجزائر, وقلنا إن من أسلم منها فقد أسلم, ومن لا يزالون مسيحيين فكثير منهم يتقربون من الإسلام يوماً فيوما, فهم في كل يوم يرفضون عادة من عاداتهم ويعتاضون عنها بعادة من عادات أهل وهران المسلمين, فهم يزورون مزارات المسلمين, ويبخرونها بالبخور! .. ولولا أن هذه الفئة النفعية المغرضة- فئة الصحافة الاستعمارية في الجزائر- تبذر دائما بذور الشقاق بين الجزائريين المسلمين الوطنيين وبين الأجانب المتوطنين لدخل في دين الله كثير من الجاليات الغربية.
وتناولنا مسألة التبشير المسيحي بين المسلمين فقلت ذكر الجنرال الفرنسي آزا في كتابه (المسألة الجزائرية) ما تعريبه:
" .. إن المسلمين لا يمكن أن يتركوا الإسلام ويتنصروا .. وقد كانت وقعت في الجزائر مجاعات عمومية عظيمة في القرن الماضي فانتهزها الكاردينال " لافيجري " (مؤسس إرساليه الآباء البيض) فرصة لتنصير الأطفال المسلمين فالتقط من مخالب المجاعات أربعة آلاف طفل صغير دون العاشرة, وما هي إلا أن كبروا وعرفوا أن آباءهم مسلمون حتى هربوا ورجعوا إلى الإسلام ولم يبق منهم على النصرانية إلا نحو أربعين شخصا ما أحسبهم مخلصين للمسيح في بقائهم على النصرانية, وإنما أبقاهم عليها شدة اضطرارهم وفقرهم .. "
فعجب صاحبي من نشاط التبشير المسيحي في بلاد الإسلام مع أنه لا يلاقي إلا كل خيبة ولا يبوء إلا بالفشل والإخفاق.
وودعني صاحبي الإسباني وودعته على نية أن نلتقي في وقت قريب, وكنت نويت أن أجعل حديثنا في المرة الثانية عن الأندلس. وهل يعود الإسلام من جديد. ومع الأسف فإننا لم نلتق بعدها, غير أن صديقي السيد عبد القادر محداد الأستاذ في المدرسة الثانوية الفرنسية بوهران قد رجع أخيراً من سياحته في الأندلس, وحدثنا بأن أهل مقاطعة الأندلس اليوم يفتخرون على بقية الإسبان بأنهم عرب أبناء عرب من سلالة عربية. وأصبحت العروبة هي موضع الشرف عند الإسبان, فأشرف شريف عندهم من لا يزال اسمه عربياً, دليلا على أصله العربي, وأمة الإسبان كلها تعتبر نفسها شرقية لا غربية. وقال: أنه قرأ (الدليل الرسمي للأندلس) فإذا الذي ألفه أديب إسباني اسمه (بن أمية) , وإذا هو يقول في مقدمة الدليل: ( .. إن جميع من في إسبانيا من العبقريين الذين نبغوا في الشعر والكتابة والنحت والتصوير وغيرها من الآداب الرفيعة, هم عرب وأبناء عرب .. "وأطنب بعد في عد مفاخر المسلمين وصناعاتهم وعلومهم التي كانت لهم في بلاد الأندلس. وخيالات الشعر الاسباني اليوم خيالات عربية, وروح الأدب الاسباني في جملته روح عربية. والعامة من أهل الأندلس اليوم ما زالوا يتسامرون ويتحادثون بحكايات عربية, تقصها الأمهات على أطفالهن, وهي حكايات عن بني سراج وبني أمية وما إلى ذلك. وهم يفتشون كثيراً على المراثي التي نظمها شعراء العرب في رثاء الأندلس المسلمة والبكاء عليها.
¥