ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[17 - 09 - 08, 07:44 م]ـ
حنين الاسبان إلى العرب
وهذا فصل كنت نشرته في العدد الصادر يوم 5 ذي الحجة الحرام. 1350 هـ، 12 - 04 - 1932م وفي العدد الذي يليه من جريدة "النور" الغراء التي كانت تصدر بعاصمة الجزائر، بعنوان:
(إسبانيا الحديثة، موقفها بإزاء العروبة والإسلام. حقائق ومعلومات لم تنشر قبل اليوم).
ولما كان هذا الفصل مناسبا لهذا المقام أردت أن أثبته في هذا الكتاب، وهو من زيادات هذه الطبعة الثانية:
من عهد قريب غير بعيد كانت نشرت الجرائد اليومية وشركات الأخبار أن مجلس الوزراء الإسبان قد قرر أن ينشيء مدرستين كليتين للأبحاث العربية الإسلامية أحداهما في مجريط (مدريد) والأخرى في غرناطة، ونشرت الجرائد العربية والإسلامية هذا الخبر مقتضبا مجرداً عن كل بيان مثلما فعلت تماماً جرائد الاستعمار والجرائد المسيحية التي لا يسرها ما يسر العروبة والإسلام.
ونحن لا نلوم صحف الاستعمار إذ هي لم تنوه باسبانيا الحديثة التي جعلت تعمل الصالحات وتهتدي إلى سبيل الرشاد، ولا نلومها إذ هي تعمدت إغفال عمل نافع كهذا الذي عملته اسبانيا فلم تشرحه ولم تتناوله بالإذاعة والنشر فقد عرفنا من هذه الصحف وهذه الشركات الإخبارية أنها لا تود الخير للإسلام ولا للعروبة ولا تتورع أن تحاربهما ولا أن تتوسل إلى ذلك بكل وسيلة مهما كانت سافلة غير شريفة، وإنما نعجب من الصحف العربية والإسلامية على الخصوص كيف تقتضب هي الأخرى هذا الخبر اقتضابا دون أن تزيده في شرح أو بيان. وقد يزول عجبنا إذا عرفنا أنه ليس للإسلام أية شركة من شركات الأخبار، وأن العروبة لا تملك جريدة من الجرائد الكبرى ولا وسيلة أخرى من وسائل النشر والإذاعة.
فالصحافة العربية اليوم- إلا قليلاً- لا تزال عالة على صحف الاستعمار تتأثر بها وتقلدها تقليداً كثيراً لا حد له ولا نهاية والدعاية الاستعمارية لا تزال تعمل عملها في كل بلد من بلاد الإسلام. وكان الواجب علينا معشر العرب المسلمين أن نهتم لكل حادث من حوادث الخير أو الشر يعني العرب أو يتعلق بالمسلمين، لا أن نكون تبعاً للغربيين نقول بما يقولون ونصمت عما يصمتون. وفي جمهورية الاسبان الحديثة ما لا يهم المستعمرين ولا يعنيهم، ولكنه يهم العرب، ويعني المسلمين.
وقد حصلت أنا على معلومات عن هاتين الكليتين فأردت أن أذيعها هنا.
وأبدأ بنشر فقرات من نفس مشروع القانون الذي قدمه إلى المجلس النيابي معالي وزير المعارف العمومية السنيور مارسيلينودومينكو، وقد مهد لهذا المشروع بفذلكة جاء فيها ما ترجمته:
(ليس هنالك حكومة يجب عليها أن تحافظ على الآثار الإسلامية وأن تنشط الأبحاث العربية أكثر مما يجب على اسبانيا.
" ثمانية قرون كاملة ونحن دماغ أوروبا ونورها اللامع، وذلك لأن الحضارة الإسلامية قد عاشت طيلة هذا الأمد كله فوق أرضنا، وأثرت تأثيراً بليغاً في تاريخنا، وصبغت إلى الأبد حياتنا بالصبغة الشرقيه (أي العربية الإسلامية) من الأدب إلى الفن إلى النظام إلى غير ذلك من نواحي الحياة فالبحث عن الماضي (أي الإسلامي) أقل ما يقال فيه إنه واجب جليل ... (ولأداء هذا الواجب لا يمكن الحكومة أن تهييء نظاماً جديدا. وإنما الأفضل أن تستعمل ما هو موجود، أعني بذلك جماعة المستشرقين (الاسبان) الباحثين الذين حافظوا على شرف اسبانيا بوجه خاص، وبعناية تامة، وبتواضع وبنصر باهر في ميدان الأبحاث الشرقية.
... ووسائلنا إلى تحقيق آمالنا على ضربين: الأعمال المختصة بالماضي وهي البحث والتنقيب والترجمة بحيث يسهل على طلابنا أن يتناولوا الكتب التي تتعلق بتاريخنا الإسلامي الذي هو كما قلنا سابقاً جزء من تاريخ اسبانيا، وثانيا الأعمال المختصة بالمستقبل والمراد منها استكثار العلائق الاقتصادية والثقافية بيننا وبين الشرق من مثل نشر لغتنا ونفوذنا وزرع حياة جديدة في ردهات مدارسنا، وذلك بأن نفتحها في أوجه الشبان المسلمين وندعوهم إليها، ولا سيما العرب الذين يتثقفون اليوم في مدارس تظهر لنا العداوة والبغضاء ... )
والخلاصة إنه يجب علينا أن نعلن عن شخصيتنا الحقيقية لمن لا يزالون من غير أن يعرفونا يجعلون اسبانيا جنة بائدة، وفردوساً مفقودا.
¥