ـ[زوجة وأم]ــــــــ[12 - 09 - 08, 09:37 م]ـ
فصل
سؤال
قالوا قد جعلتم أصل الدين هو الاتباع ورددتم على من يرجع إلى المعقول ويطلب الدين من قبله
وهذا خلاف الكتاب لأن الله ذم التقليد في القرآن وندب الناس إلى النظر والاستدلال والرجوع إلى الاعتبار وأمر بمجادلة المشركين بالدلائل العقلية
وإنما ورد السمع مؤيدا لما يدل عليه العقل ومن تدبر القرآن ونظر في معانيه وجد تصديق ما قلناه فيه
الجواب
قلنا قد دللنا فيما سبق أن الدين هو الاتباع فذكرنا في بيانه ودلائله ما يجد به المؤمن شفاء الصدر وطمأنينة القلب بحمد الله ومنه وتوفيقه
وأما لفظ التقليد فلا نعرفه جاء في شيء من الأحاديث وأقوال السلف فيما يرجع إلى الدين وإنما ورد الكتاب والسنة بالاتباع
وقد قالوا إن التقليد قبول قول الغير من غير حجة وأهل السنة إنما اتبعوا قول رسول الله وقوله نفس الحجة فكيف يكون هذا قبول قول الغير من غير حجة
فإن المسلمين قد قامت لهم الدلائل السمعية على نبوة رسول الله لما نقل إلينا أهل الإتقان والثقات من الرواة ما لا يعد كثرة من المعجزات والبراهين والدلالات التي ظهرت عليها وقد نقلها أصحاب الحديث في كتبهم ودونوها وليس المقصود من ذكرها في هذا الموضع بيانها بتفاصيلها وإنما قصدنا بيان طريق أهل السنة
فلما صحت عندهم نبوته ووجدوا صدقه في قلوبهم وجب عليهم تصديقه فيما أنبأهم من الغيوب ودعاهم إليه من وحدانية الله عز و جل وإثبات صفاته وسائر شرائط الإسلام
وعلى أننا لا ننكر النظر قدر ما ورد به الكتاب والسنة لينال المؤمن بذلك زيادة اليقين وثلج الصدر وسكون القلب وإنما أنكرنا طريقة أهل الكلام فيما أسسوا فإنهم قالوا أول ما يجب على الإنسان النظر المؤدي إلى معرفة الباري عز و جل
وهذا قول مخترع لم يسبقهم إليه أحد من السلف وأئمة الدين ولو أنك تدبرت جميع أقوالهم وكتبهم لم تجد هذا في شيء منها لا منقولا من النبي ولا من الصحابة وكذلك من التابعين بعدهم
وكيف يجوز أن يخفى عليهم أول الفرائض وهم صدر هذه الأمة والسفراء بيننا وبين رسول الله
ولئن جاز أن يخفى الفرض الأول على الصحابة والتابعين حتى لم يبينوه لأحد من هذه الأمة مع شدة اهتمامهم بأمر الدين وكمال عنايتهم حتى استخرجه هؤلاء بلطيف فطنتهم وزعمهم فلعله خفي عليهم فرائض أخر
ولئن كان هذا جائزا فلقد ذهب الدين واندرس لأنا إنما نبني أقوالنا على أقوالهم فإذا ذهب الأصل فكيف يمكن البناء عليه
نعوذ بالله من قول يؤدي إلى هذه المقالة الفاحشة القبيحة التي تؤدي إلى الانسلاخ من الدين وتضليل الأئمة الماضين
هذا وقد تواترت الأخبار أن النبي كان يدعو الكفار إلى الإسلام والشهادتين
قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن ادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وقال أيضا أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
وقال أيضا إذا نازلتم أهل حصن أو مدينة فادعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله ومثل هذا كثير
ولم يرو أنه دعاهم إلى النظر والاستدلال وإنما يكون حكم الكافر في الشرع أن يدعى إلى الإسلام فإن أبى وسأل النظرة والإمهال لا يجاب إلى ذلك ولكنه إما أن يسلم أو يعطي الجزية أو يقتل وفي المرتد إما أن يسلم أو يقتل وفي مشركي العرب على ما عرف
وإذا جعلنا الأمر على ما قاله أهل الكلام لم يكن الأمر على هذا الوجه ولكن ينبغي أن يقال له أعني الكافر عليك النظر والاستدلال لتعرف الصانع بهذا الطريق ثم تعرف الصفات بدلائلها وطرقها ثم مسائل كثيرة إلى أن يصل الأمر إلى النبوات
ولا يجوز على طريقهم الإقدام على هذا الكافر بالقتل والسبي إلا بعد أن يذكر له هذا ويمهل لأن النظر والاستدلال لا يكون إلا بمهلة خصوصا إذا طلب الكافر ذلك وربما لا يتفق النظر والاستدلال في مدة يسيرة فيحتاج إلى إمهال الكفار مدة طويلة تأتي على سنين ليتمكنوا من النظر على التمام والكمال وهو خلاف إجماع المسلمين
وقد حكي عن أبي العباس بن سريج أنه قال لو أن رجلا جاءنا وقال إن الأديان كثيرة فخلوني أنظر في الأديان فما وجدت الحق فيه قبلته وما لم أجد فيه تركته لم نخله وكلفناه الإجابة إلى الإسلام وإلا أوجبنا عليه القتل
¥