وقد جعل أهل الكلام من تخلف ناظرا فيه وفي غيره من الأديان مقيما على الطاعة مؤتمرا بأمره محمودا في فعله وهذا جهل عظيم في الإسلام وينبغي على قولهم إذا مات في مدة النظر والمهلة قبل قبول الإسلام أنه مات مطيعا لله مقيما على أمره لابد من إدخاله الجنة كما يدخل المسلمون
وقد جعلوا غير المسلم مطيعا لله مؤتمرا بأمره في باب الدين وأوجبوا إدخاله الجنة وقد قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وقال النبي لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وهذا حديث ثابت لا شك فيه
ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه من أن الدين طريقة الاتباع أنا إذا سلكنا طريق الإنصاف وطرحنا التباغي والمكابرات من جانب فلابد من الانقياد لما قلناه لأن المقصود من النظر في الابتداء إذا كان هو إصابة الحق فليتدبر المرء المسلم المسترشد أحوال هؤلاء الناظرين وكيف تحيروا في نظرهم وارتكسوا فيه
فلئن نجا واحد بنظره فقد هلك فيه الألوف من الناس وإلى أن يبصر واحد فواحد بنظره طريق الحق بنظر رحمة سبق من الله له فقد ارتطم بطريق الكفر والضلالات والبدع بنظرهم أضعاف أضعاف عدد الأولين
وهل كانت الزندقة والإلحاد وسائر أنواع الكفر والضلالات والبدع منشؤها وابتداؤها إلا من النظر
ولو أنهم أعرضوا عن ذلك وسلكوا طريق الاتباع ما أداهم إلى شيء منها
فما من هالك في العالم إلا وبدو هلاكه من النظر وما من ناج في الدين سالك سبيل الحق إلا وبدو نجاته من حسن الاتباع
أفيستجيز مسلم أن يدعو الخلق إلى مثل هذا الطريق المظلم ويجعله سبيل منجاتهم
وكيف يستجيز ذو لب وبصيرة أن يسلك مثل هذا الطريق وأنى له الأمان من هذه المهالك وكيف له المنجاة من أودية الكفر وعامتها بل جميعها إنما يهبط عليها من هذه المرقاة أعني طلب الحق من النظر
ولو أعطى الخصم النصفة لا يجد بدا من الإقرار أن من كان غوره في النظر أكثر كانت حيرته في الدين أشد وأعظم
وهل رأى أحد متكلما أداه نظره وكلامه إلى تقوى في الدين أو ورع في المعاملات أو سداد في الطريقة أو زهد في الدنيا أو إمساك عن حرام أو شبهة أو خشوع في عبادة أو ازدياد في طاعة أو تورع من معصية إلا الشاذ النادر
بل لو قلبت القصة كنت صادقا تراهم أبدا منهمكين في كل فاحشة متلبسين بكل قاذورة لا يرعوون عن قبيح ولا يرتدعون من باطل إلا من عصمه الله
فلئن دلهم النظر على اليقين وحقيقة التوحيد فبئس ثمرة اليقين هذا وتعسا لتوحيد أداهم إلى مثل هذه الأشياء وأوردهم هذه المتالف في الدين
ومن الله التوفيق وحسن المعونة لإصابة طريق الحق والثبات عليه بمنه
وقالوا أيضا وهو الأصل الذي يؤسسه المتكلمون والطريق الذي يجعلونه قاعدة علومهم من لم يحكم هذا الأصل لم يمكنه إثبات حدث العالم وذلك مسألة العرض والجوهر وإثباتهما
فإنهم قالوا إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه إما أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا
فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما احتمل الأعراض
والعرض ما لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره
وجعلوا الروح من الأعراض وردوا أخبار رسول الله في خلق الروح قبل الجسد لأنه لم يوافق نظرهم وأصولهم واختراعهم وردوا خبره في خلق العقل قبل الخلق
وإنما ردوا هذه الأخبار لأن العقل عندهم عرض كالروح والعرض لا يقوم بنفسه فردوا الأخبار بهذا الطريق
وكذلك ردوا الخبر الذي روي عن النبي أن الموت يذبح على الصراط لأن الموت عرض لا ينفرد بنفسه
فهذا أصلهم الثاني الذي أدى إلى رد الأخبار الثابتة عن رسول الله ومثل هذا كثير يأتي بيانه
ولهذا قال بعض السلف إن أهل الكلام أعداء الدين لأن اعتمادهم على حدسهم وظنونهم وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم ثم يعرضون عليه الأحاديث فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه على ما سبق بيانه
وأما أهل السنة سلمهم الله فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب ووردت به السنة ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع وورد به السمع ولا يدخلون بآرائهم في صفات الله تعالى ولا في غيرها من أمور الدين وعلى هذا وجدوا سلفهم وأئمتهم
وقد قال الله تعالى يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
وقال أيضا يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
¥