وقال في خطبة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة أصحابه رضي الله عنهم ألا هل بلغت
وكان مما أنزل إليه وأمر بتبليغه أمر التوحيد وبيانه بطريقته فلم يترك النبي شيئا من أمور الدين وقواعده وأصوله وشرائعه وفصوله إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه إذ لو أخر فيها البيان لكان قد كلفهم ما لا سبيل لهم إليه
وإذا كان الأمر على ما قلناه وقد علمنا أن النبي لم يدعهم في هذه الأمور إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر وذكر ماهيتهما ولا يمكن لأحد من الناس أن يروي في ذلك عنه ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم من هذا النمط حرفا واحدا فما فوقه لا في طريق تواتر ولا آحاد فعلمنا أنهم ذهبوا خلاف مذهب هؤلاء وسلكوا غير طريقهم وأن هذا طريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله ولا أصحابه رضي الله عنهم وسلوكه يعود عليهم بالطعن والقدح ونسبتهم إلى الجهل وقلة العلم في الدين واشتباه الطريق عليهم
وبلغني أنه كان لأبي هاشم الجبائي ابنة تسمى فاطمة وكان أصحابه يقولون إن فاطمة بنت أبي هاشم أعلم بالله وبطريق الحق من فاطمة بنت محمد ورضي عنها
فنعوذ بالله من طريق يؤدي إلى مثل هذا القول ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى
وإياك رحمك الله أن تشتغل بكلامهم ولا تغتر بكثرة مقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه أو يقاربه فكل بكل معارض وبعض ببعض مقابل وإنما يكون تقدم الواحد منهم وفلجه على خصمه بقدر حظه من البيان وحذقه في صناعة الجدل والكلام
وأكثر ما يغلب ببعضهم بعضا إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول لهم ومناقضات على أقوال حفظوها عليهم فهم يطالبونهم بعودها وطردها
فمن تقاعد عن ذلك سموه من طريق الجدل منقطعا وجعلوه مبطلا وحكموا بالفلج لخصمه
والجدل لا يتبين به حق ولا تقوم به حجة وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين كلتاهما بطالة ويكون الحق في ثالثة غيرهما فمناقضة أحدهما صاحبه لا تصحح مذهبه وإن أفسد به قول خصمه لأنهما مجتمعان في الخطأ مشتركان فيه كقول الشاعر فيهم
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور
وإنما كان الأمر كذلك لأن واحدا من الفريقين لا يعتمد في مقالته أصلا صحيحا وإنما هو آراء تتقابل وأوضاع تتكافأ وتتعادل
ولو أنصفوا في المحاجة لزم الواحد منهم أن ينتقل عن مذهبه كل يوم كذا وكذا مرة لما يورد عليه من الإلزامات وتراهم ينقطعون في الحجاج ولا ينتقلون وهذا هو الدليل على أنه ليس قصدهم طلب الحق وإنما طريقهم اتباع الهوى فحسب
فإذا ألزم قال هذا إلزام توجه علي لا على مذهبي وسنأتي بعد بالجواب أو يوجد من ينفصل عن هذه الشبهة ممن ينتحل ديني ومذهبي
فإذا راعينا مثل هذا لم تقم حجة على كافر أبدا وما هذا إلا طريق يوهم جميع الكافرين أنهم على الحق قاتلهم الله أنى يؤفكون وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
ومن قبيح ما يلزمهم في اعتقادهم أنا إذا بنينا الحق على ما قالوا وأوجبنا طلب الدين بالطريق الذي ذكروه وجب من ذلك تكفير العوام بأجمعهم لأنهم لا يعرفون إلا الاتباع المجرد
ولو عرض عليهم طريق المتكلمين في معرفة الله تعالى ما فهمه أكثرهم فضلا من أن يصير فيه صاحب استدلال وحجاج ونظر
وإنما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه سلفهم وأئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبهات والشكوك تراهم لا يحيدون عما اعتقدوه وإن قطعوا إربا إربا فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة فإذا كفروا هؤلاء الناس وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا إلا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين وأركان الشريعة وأعلام الإسلام وإلحاق هذه الدار أعني دار الإسلام بدار الكفر وجعل أهليهما بمنزلة واحدة
ومتى يوجد في الألوف من المسلمين على الشرط الذي يراعونه لتصحيح معرفة الله تعالى أو لا يجد مسلم ألم هذه المقالة القبيحة الشنيعة في قلبه بل لو تقطع حسرات من عظيم ما اخترعوه في الدين وموهوه على الناس كان جديرا بذلك
وإن قالوا إنا لا نكفر العوام فقد ناقضوا أصولهم حين أثبتوا حقيقة المعرفة والإيمان بغير طريقها على أصولهم
وأظن أن من قال عنهم ذلك فإنما هو سلوك طريق التقية ورد تشنيع الناس عليهم وإلا فاعتقادهم وطريقتهم في أصولهم ما ذكرنا
والله يكفي أهل السنة والجماعة شرهم ويرد كيدهم في نحرهم ويلحق بهم عاقبة مكرهم بقدرته وعظيم سطوته
[الإنتصار لأصحاب الحديث لأبي المظفر السمعاني]
ـ[محب البويحياوي]ــــــــ[13 - 09 - 08, 09:09 ص]ـ
بارك الله فيكِ على النقل الطيب النفيس أعانك الله على المزيد من المثابرة و التحصيل
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[03 - 11 - 08, 06:04 م]ـ
للفائدة