وبعد ذلك عرفت السبب في أنه لا يرى الزوار إلا يوم السبت، وذلك لأن يوم السبت هو يوم يتقاضى فيه العملة الأجراء أجورهم من مخدوميهم الإفرنج.
أما يوم الجمعة فهو آخر الأسبوع، يكون فيه الزائر خالي الوفاض بادي الأنفاض، لا يقدر أن يزور الزاوية فيه بشيء.
[زر غباً تزدد بعداً!!]
قال الراوي: وكنا ذات يوم عند سيدنا، فجعل يذاكرنا في مناقب الشيخ مؤسس طريقتنا، فذكر لنا عنه كثيراً من الفضائل والمعجزات، وذكر لنا أن مريده لا يشقى أبداً، وأنه حرام على النار لا يدخلها مهما كان مذنباً عاصياً، وحثنا على الزيارة وقال:"زوروا تنوروا"، وقال: من زارنا بفرنك كتب له عند الله عشرة فرنكات، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله، عشر أمثالها} وقال: الحسنة هي ما تدفعه"زيارة"، وهكذا يحرف كثيرا من الآيات الكريمة.
[منزلة الشيخ الولي فوق الرسول وقرب النبي-صلى الله عليه وسلم-!!]
واستأذنه رجل في الكلام فقال: إنه رأى النبي-صلى الله عليه وسلم-، وقص علينا رؤياه، قال: ثم رأيت"الشيخ"وأنت إلى يمينه، وقال لي: خذ العهد عن ابني هذا، ففرحوا جميعاً بهذه الرؤيا، ونسوا رؤياه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فلم يذكروها.
وترى الواحد منهم يخطر بباله"الشيخ"مائة مرة في اليوم, ولا يخطر بباله النبي-صلى الله عليه وسلم-ولا مرة واحدة، وهم حينما يصلون عليه-صلى الله عليه وسلم-إنما يطيعون الشيخ في تلاوة صيغة الصلاة التي اختارها، ودليل ذلك أن كل طائفة تتلوا صيغة شيخنا، ولا تتلوا الصلاة الإبراهيمية التي ورد بها الحديث الصحيح.
وتجد الواحد منهم يحفظ كل ما ينسب إلى شيخه من الفضائل والمناقب والمعجزات، ويعتني بسيرته العناية كلها، ولكنه لا يعتني بشيء من سيرة الرسول الأعظم-صلى الله عليه وسلم-.
[إسقاط التكاليف الشرعية، غاية شيوخ الصوفية]
قال الراوي: وبالجملة، فتعاليم الطريقة التي كنت أعتنقها- ولا أظن غيرها إلا مثلها- إنما ترمي إلى إسقاط التكاليف الشرعية، فهي تدعوا (المريد) أن يحسن النية في الشيخ، وأن (يعبده مخلصاً له الدين)، وله أن يتكل على هذا الشيخ، لكي يغفر له جميع السيئات والآثام، وأن يجادل الله عنه يوم القيامة، وهذه العقيدة ربما أغرت المريد، فاقترف الفحشاء والمنكر اتكالاً على "الشيخ"،مع أن الله تعالى يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [فاطر:18].
[{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب}]
قال الراوي: وأنا أشهد على نفسي التي اقترفت كثيراً من الكبائر والموبقات، اتكالاً على أن الشيخ سيجادل الله يوم القيامة، وأنه سيكون لي هنالك"محامياً"ووكيلاً، أشهد على نفسي أني فعلت ذلك حينما كنت طرقيا، أما اليوم وقد أصبحت مصلحاً لا أتكل على الشيخ، بل أتكل على الله، فأشهد أني كنت ذات يوم هممت بخطيئة من الخطيئات، وكدت أنغمس فيها، فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق:14]!!؟ فما تلوتها حتى جمد الدم في عروقي، وأدركني من الخشية والخوف ما الله به عليم.
وقد حفظني الله بعد ذلك اليوم، فلم أقترف بعدها خطيئة ولا إثما.
وهنا أمسك محدثنا الظريف، وأبى أن يمضي في حديثه، ونحن أشوق ما نكون إلى سماع مثل هذه الاعترافات.
محمد السعيد الزاهري
مدينة وهران- الجزائر-