قال: هذا ظن من ابن مسعود أخطأ فيه.
فقلت له: هذا قول من يروم هدم الإسلام والطعن على الشرع لأن من زعم أن ابن مسعود ظن ولم يستيقن فحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم على ظنه: فقد جعل إلى هدم الإسلام مقالته هذه بأن يتجاهل أهل الزيغ فيتهجموا على كل خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوافق مذهبهم فيسقطونه بأن يقولوا هذا ظن من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا فرق بين ابن مسعود وسائر الصحابة رضي الله عنهم وهذا ضد ما أجمع عليه المسلمون وقد أكذب القرآن مقالة هذا القائل في الآية التي شهد فيها لابن مسعود بالصدق في جملة الصحابة.
ثم قلت له: و " الأصابع " قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أصحابه منهم أنس بن مالك في حديث الأعمش عن أبي سفيان عن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قال: قلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها ".
ثم قال لي: تروي حديث أبي هريرة: " خلق آدم على صورته " ويومىء إلى أنه مخلوق على صورة آدم.
فقلت له: قال أحمد بن حنبل: من قال إن آدم خلقه عز وجل على صورة آدم: فهو جهمي وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه؟.
فقال لي: قد جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم على صورة آدم ".
فقلت له: هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: بلى قد جاء في الحديث: " طوله ستون ذراعا " على أنه آدم.
فقلت له: قد رد هذا وليس هو الذي ادعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنك قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم على صورة آدم " ثم استدللت بقوله: " ستون ذراعا " على أنه آدم وهذا خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين. فأبو الزناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم على صورته " وروى جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن " قال أبو إسحاق: وهذا الحديث يذكر عن إسحاق بن راهويه: أنه صحيح مرفوع وأما أحمد بن حنبل فذكر أن الثوري أوقفه على ابن عمر فكلاهما الحجة فيه على من خالفه فإن كان رفعه صحيحا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد سقط العذر وإن كان ابن عمر القائل له: فقد اندحض بقول ابن عمر تأويل من حمل قوله: " على صورته ".
قال أبو إسحاق: وهذا لم يجر بيني وبينه وإنما بينته لأصحابي ليفهموه.
ثم قلت له: قوله: " خلق آدم على صورته " لا يتأول لآدم على صورة آدم لما قاله أحمد: " وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه؟ " فقد فسد تأويلك من هذا الوجه وفسد أيضا بقول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم على صورة الرحمن تبارك وتعالى ".
وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: " طوله ستون ذراعا " فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فكان قوله: " خلق آدم على صورته " فتم الكلام ثم قال: " طوله ستون ذراعا " إخبارا عن آدم بذلك على حديث الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله عز وجل خلق آدم على صورته " ذكرت بدلالة حديث ابن عمر رضي الله عنهما وما ذكرته عن أحمد.
فقال لي جوابا عن حديث أنس: " إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها " إنما هما نعمتان.
فقلت له: هذا الخبر يقول: " إن الأصبعين نعمتان؟ " واليدين صفة للذات ولم يتقدمك بهذا أحد إلا عبد الله بن كلاب القطان الذي انتحلت مذهبه ولا عبرة في التسليم للأصابع والتأويل لها على ما ذكرت: إن القلوب بين نعمتين من نعم الله عز وجل.
ثم قال لي: وهذا مثل روايتكم عن ابن مسعود في قوله عز وجل يوم يكشف عن ساق إن الله عز وجل يكشف عن ساقه يوم القيامة؟.
فقلت له هذا رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأنكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا من كلام ابن مسعود وقد روي عن ابن عباس أنه قال: " الشدة ".
فقلت له: إنما نذكر ما جاء عن الصحابة إذا لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
¥