يقول ابن تيمية: وهكذا كل من أمعن في معرفة هذه الكلاميات والفلسفيات التي تعارض بها النصوص من غير معرفة تامة بالنصوص ولوازمها، وكمال المعرفة بما فيها، وبالأقوال التي تنافيها؛ فإنَّه لا يصل إلى يقين يطمئن إليه، وإنَّما تفيده الشك والحيرة، بل هؤلاء الحذَّاق الذين يدَّعون أنَّ النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه؛ تجدهم حيارى في أصول مسائل الإلهيات، حتى مسألة وجود الرب تعالى وحقيقته، حاروا فيها حيرة أوجبت أن يتناقض هذا كتناقض الرازي، وأن يتوقف هذا كتوقف الآمدي.
ويُبيِّن شيخ الإسلام أنَّ أرباب العقول والمناهج الفلسفية هم من أكثر الناس حيرةً وضلالًا واضطرابًا، فهذا ابن واصل الحموي أفضل أهل زمانه في المنطق والفلسفة والكلام، يقول: أضطجع على فراشي، وأضع الملحفة على وجهي، وأُقابل بين أدلة هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي شيء.
ثم يُعلق شيخ الإسلام عليه منبهًا ومشيرًا إلى اشتغاله فيما بعد فيما فيه فائدة له، قائلًا: ولهذا انتهى أمره إلى كثرة النظر في الهيئة – العمارة والهندسة - لكونه تبين له فيه من العلم ما لم يتبين له في العلوم الإلهية.
ثم يُبيّن الفرق بين إنتاج الفلاسفة العقلي وإنتاجهم الطبيعي، موضحًا أنَّ إنتاج الفلاسفة الطبيعي كالطب والهندسة والرياضيات جيِّد وصحيح، بخلاف إنتاجهم في الجانب المِيتَافِيزِيقِي الذي يزعمون أنَّه عقلي.
يقول ابن تيمية: فإنَّ الفلاسفة كلامهم في الإلهيات والكليات العقلية كلام قاصرٌ جدًّا، وفيه تخليطٌ كثيرٌ، إنَّما يتكلمون جيدًا في الأمور الحسية الطبيعية وفي كلياتها، فكلامهم فيها في الغالب جيِّد.
وبيَّن ابن تيمية أنَّ العقلاء الذين خُبِّروا مذاهب الفلاسفة في العلم، يعلمون أنَّهم أقل نصيبًا في معرفة العلم الإلهي، وأنَّهم أكثر الناس اضطرابًا وضلالًا، أمَّا كلامهم في الحساب والعدد والرياضيات فغلطهم في ذلك قليل نادر، وكلامهم في الطبيعيات غالبه جيِّد.
فلو وُجِّهت عقول الأمة – قديمًا وحديثًا - إلى الإبداع في العالم الطبيعي، والاتباع في العالم الغيبي لكان لها اليوم شأن آخر غير الذي هي عليه الآن، لكنها – وللأسف الشديد - غلب على عقولها الذكية الابتداع في العالم الغيبي، والاتباع في العالم الطبيعي، وأهدرت العقول والكتب في مؤلفات الفلسفة وعلم الكلام والمنطق وشروحه وحواشيه وتعليقاته، فصارت العقيدة صعبة المنال، وخاصَّة بِقِلِّةٍِ قليلة من أهل فنون المنطق والكلام). انتهى.
أسأل الله أن يهدي شباب المسلمين إلى ما فيه الخير لهم ولأمتهم، وأن يصرفهم عن تضييع وتكرار الجهود فيما يضر ولا ينفع، وأن يوفق القائمين على النوادي الفكرية والأدبية إلى ما يُحب ويرضى ..
كتابان مهمان يتعلقان بالموضوع
1 - موقف شيخ الإسلام من آرء الفلاسفة، للدكتور صالح الغامدي - وفقه الله -.
2 - جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية؛ للدكتور محمد أحمد لوح - وفقه الله -. فقد عقد فصلا طويلا مهمًا (ص 397 - 479) عن جناياتهم.
روابط مفيدة، متعلقة بالمقال
موقف الغزالي من الفلاسفة
للأخ الشيخ: موسى بن محمد هجاد الزهراني - وفقه الله -
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=89&book=1192
الأخطاء التاريخية و المنهجية في مؤلفات محمد أركون و محمد عابد الجابري: دراسة نقدية تحليلية هادفة؛ للدكتور خالد كبير علال - وفقه الله -. وقد بين فيه أخطاء أرسطو
http://www.fustat.com/books/allal_5_8.doc
الرد على من عظم الفلاسفة الملاحدة
للشيخ سمير المالكي - وفقه الله -
http://www.saaid.net/Doat/samer/1.zip
حكم دراسة الفلسفة
http://www.islamqa.com/ar/ref/88184
وللجنة الدائمة فتوى عن هذه المسألة؛ يجدها القارئ في فتاواها: (2/ 40).
الحلقات السابقة من " ثقافة التلبيس "
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/thkafa.htm
وأنقل أخيرًا: مقالا مهمًا للشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر - رحمه الله - عن الفلسفة، نشره في مجلة البحوث الإسلامية قديمًا؛ يحسن بالمهتمين الاطلاع عليه:
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[04 - 10 - 08, 04:00 م]ـ
الفلسفة
عبد الحليم محمود
¥