الشبهة: قال بعضهم: زعمتم أنه ممن يمر نصوص الصفات كما جاءت بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف، وليس عندكم مما تتمسكون به في هذا الباب إلا كلامه في الاستواء وقد ورد في كتبه المالكية ما يدل على أنه متأول منزه!!، حيث أنكر التحديث بحديث الصورة فما جوابكم؟
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول أن يقال:
للإمام مالك كتاب عظيم تعرفه الأمة، وهو موطأه الشهير، شحنه بجملة من أحاديث الصفات منها حديث النزول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا .. ))
ومنها حديث الضحك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد))
ومنها حديث الجارية وسؤاله لها" أين الله؟ فقالت “في السماء”
قال أبو عمر ابن عبد البر الحافظ المالكي في شرحه لرواية إمامه هذه: ((معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها وأما قوله: "أين الله فقالت في السماء" فعلى هذا أهل الحق لقول الله عز وجل: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ولقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ} ولقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز وجل في الكف عنهم)). انتهى المراد من كلام الحافظ وهو مجرد استطراد.
ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت ... )) إلخ الحديث
وقد اعترف الباجي المالكي–وفيه أشعرية- على أنه يقتضي أن له تعالى يميناً، فقال في شرحه على الموطأ: ((وقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه “يقتضي” أن الباري تعالى موصوف بأن له يمينا قال الله تبارك وتعالى "والسماوات مطويات بيمينه" .. )) إلخ
ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها ... الحديث
وغير ذلك من أحاديث الموطأ، وكذلك روى غيرها خارج الموطأ مثل ما روى الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي} رواه البخاري وغيره عنه
وروى البخاري أيضاً في صحيحه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك} قال البخاري: رواه سعيد عن مالك.
وروى ابن القاسم -كما سيأتي لاحقاً موضعه- أن شيخه مالك روى عن ابن أبي حازم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "إن دون الله يوم القيامة سبعين ألف حجاب، حجب من ظلمة ما يفتقها بصر شيء إلخ" وسيأتي بتمامه إن شاء الله.
إذا علم هذا، فيقال في بيان هذا الوجه:
هذا كتابه الموطأ الذي كتبه بخطه، وأملاه على طلبته، وقرأه من صبوته إلى مشيخته، روى فيه الأحاديث التي يزعم هؤلاء أن ظاهرها التشبيه وما يعترف المخالف بأنها مقتضية لإثبات الصفات، ولم يتأول شيئاً من ذلك، ولا أعقبها بنفي أو تحريف لظاهرها، وقد ظل يرويها ويحدث بها مرة بعد مرة على مدى أربعين عاماً والزائرون والوفود لا يحصون كثرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- رد الكثيري على السقاف ص103 - ، وقد أقرأ موطئه عمره كله ليله ونهاره، ورواه عنه ألف رجل أو يزيدون، وأملاه على تلاميذه وقرأه على الناس من كل بلد، فما تأول شيئا من هذا ولا ورد عنه قط إنكاراً أو تحريفاً لظاهرها ولو كان حقاً ما يدعون من أن منهجه التأويل –بشقيه المجمل أو المفصل-!! لما جاز أن يترك هذه الأحاديث على ظاهرها طوال هذه السنين ولصح عنه ولو رواية واحدة صريحة –على التنزل الشديد-في تأويل ظواهر هذه النصوص التي مر ذكرها، فعلم بالضرورة ما
¥