تواتر عنه أن منهجه هو إمرار آيات وأحاديث الصفات كما جاءت.
الوجه الثاني وهو في بيان أن هذا التواتر لا يصح أن يعارض برواية آحاد:
قال ابن العربي –وهو مالكي أشعري- في الجزء الخامس من عارضته في الكلام على نهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ما نصه:
((ولا يفوتكم ما وصيتكم به مراراً من أن مذهب مالك المعول عليه ما في موطئه، أقرأه عمره كله، فما قال لصاحب أو أجاب به سائلاً لا يعارض ما أقرأه ليله ونهاره عمره كله، ورواه عنه ألف رجل أو يزيدون))
وقال في الجزء الأول من الأحكام في الكلام على قوله تعالى: ((والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)) ما نصه:
((وتركب على هذا ما إذا زنى بامرأة، هل يثبت زناه حرمة في فروعها وأصولها؟ عن مالك في ذلك روايتان!!
ودع من روى، وما روي،أقام مالك عمره كله يقرأ عليه الموطأ ويقرأه لم يختلف قوله فيه: إن الحرام لا يحرم الحلال، ولا شك في ذلك، وقد بيناها في مسائل الخلاف، والله أعلم))
وقال في الجزء الثاني من أحكامه في الكلام على قوله تعالى: ((وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا)) ما نصه:
((وقد روي عن مالك أن الزنا يحرم المصاهرة، وهذا كتابه الموطأ الذي كتبه بخطه، وأملاه على طلبته، وقرأه من صبوته إلى مشيخته لم يغير فيه ذلك، ولا قال فيه قولا آخر.واكتبوا عني هكذا.
وابن القاسم الذي يحرم المصاهرة بالزنا قرئ ضد ذلك عليه في الموطأ، فلا يترك الظاهر للباطن، ولا القول المروي من ألف للمروي من واحد، وآحاد، وقد قررنا ذلك في مسائل الخلاف.))
وقال في الكلام على قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" ما نصه:
((وقال آخرون: وقت المغرب يكون من الغروب إلى مغيب الشفق؛ لأنه غسق كله، وهو المشهور من مذهب مالك وقوله في موطئه الذي قرأه طول عمره، وأملاه حياته))
وقال في الكلام على قوله تعالى: ((حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم)) ما نصه:
((اختلف قول مالك في هذه الأشياء؛ فروي عنه أنه لا يؤكل إلا ما كان بذكاة صحيحة.
والذي في الموطأ عنه أنه إن كان ذبحها ونفسها يجري وهي تطرف فليأكلها، وهذا هو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده، وقرأه على الناس من كل بلد عمره، فهو أولى من الروايات الغابرة)) انتهى المراد.
فالحاصل أن الراوية التي يستدلون بها إن صحت سنداً -وقد تكلم بعض أهل العلم في سند هذا الأثر لكن نحن هنا نتكلم على القول بصحته- فلا تعدوا كونها رواية آحاد فلو سلمنا أن دلالتها كما زعموا لكان المنهج العلمي الصحيح تقديم ما تواتر عنه على ما جاء من رواية الآحاد، التي إن صحت فلها -كما سيأتي- تفسير صحيح متوافق مع ما تواتر عنه كما جاء هذا عن بعض أئمة المالكية أنفسهم!!.
فنقول في خلاصة هذا الوجه ما قاله ابن العربي: "ما قال لصاحب أو أجاب به سائلاً لا يعارض منهجه في موطأه الذي أقرأه ليله ونهاره وعمره كله، ورواه عنه ألف رجل أو يزيدون، فدع من روى، وما روى، ولا تترك الظاهر للباطن، ولا القول المروي من ألف للمروي من واحد"!!!.
ويضاف لهذا ما نورده في:
الوجه الثالث: وهو أن هذا هو ما رواه عنه تلاميذه وفهمه عنه الأئمة الكبار ممن جاء من بعدهم من أهل تلك العصور، بل حتى خصوم السنة اعترفوا بهذا!:
جاء بسند صحيح لا غبار عليه عن الإمام مالك: رواه جماعة (1) عن الهيثم بن خارجه (ثقة) عن الوليد بن مسلم (ثقة) أنه قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت، وفي رواية قالوا: أمرها كما جاءت بلا كيف.
هذا هو منهجه المشهور المعروف المتواتر: الإمرار المتضمن للإيمان والإقرار بلا تأويل ولا تكييف في ما صح عنده من نصوص الصفات جميعاً لا بعضاً دون بعض كما هي طريقة الكلابية والأشعرية.
¥