تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات ; لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشيء لا يلزم، ولا معنى له لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه، ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ;، ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء، وخالق كل شيء لا شريك له، وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا، وما ليس في مكان فهو عدم، وقد صح في [ص: 136] المعقول، وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان، وليس بمعدوم فكيف يقاس على شيء من خلقه؟ أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا الذي لا يبلغ من وصفه إلا إلى ما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه ورسوله أو اجتمعت عليه الأمة الحنيفية عنه فإن قال قائل منهم: إنا وصفنا ربنا أنه كان لا في مكان، ثم خلق الأماكن فصار في مكان، وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال ; إذ زال عن صفته في الأزل، وصار في مكان دون مكان قيل له: وكذلك زعمت أنت أنه كان لا في مكان، وانتقل إلى صفة هي الكون في كل مكان فقد تغير عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان، وهذا لا ينفك منه ; لأنه إن زعم أنه في الأزل في كل مكان كما هو الآن ; فقد أوجب الأماكن والأشياء موجودة معه في أزله، وهذا فاسد ;

فإن قيل فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له: أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه ; لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا، وليس في ذلك كالخلق ; لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق، ونقلته توجب مكانا، ويصير منتقلا من مكان إلى مكان، والله عز وجل ليس كذلك لأنه في كائن في مكان، وكذلك نقلته لا توجب مكانا، وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه، ولكنا نقول: استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول: انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له عرش، ولا نقول له سرير ومعناهما واحد، ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل، ونقول خليل إبراهيم ولا [ص: 137] نقول صديق إبراهيم، وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه، ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له، ولا ندفع ما وصف به نفسه ; لأنه دفع للقرآن، وقد قال الله عز وجل وجاء ربك والملك صفا صفا وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر ; لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلة، ولو اعتبرت ذلك بقولهم: جاءت فلانا قيامته وجاءه الموت، وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو موجود نازل به ولا مجيء لبان لك وبالله العصمة والتوفيق، فإن قال: إنه لا يكون مستويا على مكان إلا مقرونا بالتكييف قيل: قد يكون الاستواء واجبا، والتكييف مرتفع، وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل ; لأنه لا يكون كائن في لا مكان إلا مقرونا بالتكييف، وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحا في أبداننا، ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفية على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه.

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حرس عن عمه أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال: كان ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء [ص: 138] قال أبو عمر: قال غيره في هذا الحديث: كان في عماء فوقه هواء، وتحته هواء، والهاء في قوله فوقه وتحته راجعة إلى العماء، وقال أبو عبيد: العماء هو الغمام، وهو ممدود، وقال ثعلب: هو عما مقصور أي في عما عن خلقه، والمقصود الظلم، ومن عمي عن شيء فقد أظلم عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير