كل هذه الحوادث المؤلمة، مع السكوت المريب للآيات، والمعتدلين، والمتحمسين للتقارب منهم!! .. حركت الشيخ صادقا صادعا بالحق، فهذا وقت الجهر والإعلان، فالسكوت مضر، وضرره أكبر من نفعه، مع تحمل الإثم العظيم بالتكتم على ما حصل مع هوله، وأعظم من التدليس بنفي الذي حصل، ومطارق الوحدة الإسلامية لم تعد تخيف "الفاهم"، فأين هي الوحدة مع قوم:
- فأما التي لها المرجعية والكلمة والسلطة فتعتدي بأبشع العدوان، أو تعين عليه بالسكوت.!!.
- والتي كان يرجى منها النصرة، بدعوتها إلى التقارب والوحدة، أو بما يظهر منها من الاعتدال، إذ بها تلوذ بالصمت، لا بل تنكر ما حصل؟؟!!.
- وإن وجد فيهم من أقر بالحقيقة فندد واستنكر، فموقف يشكر عليه، غير أنه ليس بيده شيء يذكر، يوقف به التجاوزات الخطيرة؟.
حمل الشيخ هم إخوانه المسلمين، ونادى آيات إيران عبر الجزيرة أن يوقفوا هذه الجرائم، وأنهم قادرون على ذلك، لسيطرتهم التامة على الشارع الشيعي، لكن الآيات لم تسمع، وهي تستمع!!.
ثم طلب إلى الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني مناظرة، للنظر في هذه الحوادث، فجرت المناظرة عبر الجزيرة مباشرة، وكلنا سمع ما قاله الشيخ، ومطالبه للمراجع في إيران منع العدوان على السنة، لكن رافسنجاني كان يروغ فلا يجيب، ويتكلم عن الوحدة والاجتماع، بكلام غدا مملا سمجا بعد أن فقد عنصر الصدق والإخلاص والثقة، فلم يعد أحد – يفهم – يقبل هذه الشعارات، التي أسهمت في تقييد السنة، واستغفالهم عن محتمات مصيرية تنتظرهم في نهاية الطريق.
الحاصل: أن المناظرة لم تكشف إلا عن شيء واحد، هو أن الآيات في إيران عازمون على تصدير ثورتهم بكافة الوسائل، وأن دعاوى الوحدة ليس إلا ستارا، وليس يخفى أن المبادئ السامية، دائما ما تستخدم غطاء لمكاسب خاصة، كما استعملت شعارات الثورة الفرنسية: حرية، إخوة، مساواة.
الشيخ لم يحتمل ذلك مضافا إليه، تناول الشيعة للصحابة رضوان الله عليهم بالتكفير والسب والشتم، فلما كان مؤتمر الدوحة الأخير للتقريب، أعلن أمام الجميع، بما فيهم ممثلي الشيعة، أنه من غير المقبول المضي في هذا التقارب بين قوم، بعضهم يعظم عائشة رضي الله عنها تعظيما بالغا مستحقا، وبعضهم يلعنها ويقذفها، فأما آية الله التسخيري وآذرشب وغيرهم، فقد عمدوا إلى ترقيع خرق كبير، وعادوا إلى نغمة الوحدة، وتكذيب ما يقال، وهكذا هم في كل حال، والمؤمن لا يخدع مرتين.
* * *
إذا أضفنا إلى ما سبق من أحداث تولى كبرها طوائف من الشيعة ضد السنة، ما جاء في كتبهم الأصلية كالكافي للكليني، وبحار الأنوار للمجلسي، وكتب المفيد، وما يرد من فتاوى وكتب في موقع السيستاني على الإنترنت، وفيها ما ينقض الوحدة من جذورها، بقولهم بكفر من لم يؤمن بالإمامة ركنا في الدين. والسنة لا يؤمنون، فهم كافرون إذن، وهذه النتيجة صريح فتاواهم، كما هو معلوم.
ثم ما تناقلته كتب التاريخ من مواقف سلبية مخزية ضد السنة، أظهرها خيانة الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي للخليفة العباسي، وتزيينهما وتسهيلهما لهولاكو احتلال بغداد وقتل الخليفة، وقد كان يهاب ذلك لولا مشورتهما، وقد تسبب ذلك في سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ.
كل هذه مانعة من الثقة بالشيعة، مع اعترافنا بوجود فئات منهم صادقة ناصحة من العلماء، لكن هؤلاء غير مؤثرين في الاتجاه الشيعي، إنما التأثير لأولئك المتطرفين، هم من بيدهم حبال اللعبة وخيوطها، وهم من يوجه دفة العملية، وقد فهم الشيخ القرضاوي هذا، فلم يتوجه بخطابه إلى مثل الخالصي والمؤيد، لكن إلى آيات قم والمراجع المؤثرة .. لكن لا حياة لمن تنادي.
والدعوات التي تنادي بالإعراض عما في التراث، هي حالمة، مستغفلة، فإنه لا توجد أمة تتنكر لما في تراثها، إلا إن أرادت تغيير مسارها، وهدفها جذريا، فالشيعة إن تخلت عن تراثها في الكافي وبحار الأنوار وغيرهما، فذلك معناه: التخلص من التشيع نفسه، بمعناه المعروف اليوم. وهو أمر لا يقوى عليه كثير منهم، خصوصا أصحاب المصالح، ومن هنا فإن نظرية الإعراض عن التراث، إنما طرحت من فئة سنية يحلو لها دراسة المسائل المعقدة بوسائل بدائية، فكانت كالذي إذا تعطلت عربته، عمد إلى خبطها ورفسها، علّها تسير من جديد.
¥