تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من البريد:النجديون كما يراهم حشوية الشام أوائل القرن العشرين (مقال مفيد وأكثر من رائع)]

ـ[أبو عبدالوهاب العبدلي]ــــــــ[12 - 10 - 08, 01:14 ص]ـ

النجديون كما يراهم حشوية الشام أوائل القرن العشرين

الحشوية والوهابية

* مقالة للدكتور صلاح الدين القاسمي المتوفى سنة 1334 هجرية رحمه الله

قلَّما قام بين المصلحين أحدٌ بفكرةٍ إصلاحيةٍ أو مشروعٍ جديدٍ ولم يقُم في وجهه من أبناءِ جلدته مناهضٌ ينوص للفتنة كل مناص , فيتخذه سُبةً يتقوّل عليه مختلق الأقاويل , وينقل عنه مختلف الأحاديث , مما ليس من الحقيقةِ في شئ.

فان كان من أهلِ الحكمةِ والسداد وُصِمَ بخرَق الرأي , أو من أولي الخير والصلاح رُمي بشبهة في الدين , أو كان من حملة العلم الصحيح غَمطوا مِن قدرِه ولم يُنصفوه , وربما ألَّبُوا عليه طُغمةَ الجهل وزعانفَ القوم فيذهبون بآرائه مذاهبَ شتَّى , وقد يُوقعونه في الرَّدَى فيجنون على العلمِ والدِّينِ جنايةً تدورُ مع الأحقُب , كما وقعَ ذلك لكثيرٍ من مشاهيرِ المشارقةِ والمغاربة.

على أنَّ المُصلح لم يأتِ أمراً إدّاً يأباه العقلُ و الدينُ , وما ذنبُهُ سِوى أنَّه أتى بما لاعهد لأبناء الوسط به أو لم يجدوا عليه آباءهم , وقد سمَّى حجةُ الإسلام الغزالي أمثالَ هؤلاءِ المناهضين حشويةً.

وهمُ اليومَ ضروبٌ: فمنهم حشويةُ الدين , وحشويةُ العلم , وحشويةُ السياسة. ولشدَّ ما لقي المصلحون من شيوخِ السوءِ حشويةِ الدينِ الجامدين في سبيل الدعوة الى الحق , وما نالهم من النكبات مادياً ومعنوياً وأدبياً. ومهما يحاولُ هؤلاء عرقلة مساعي أولئك أو اضطهادهم، وظفرهم بأمنياتهم في بعض الأحايين فإنَّهم ليُحاولون المستحيل في الضغط على تلك الموهبة الفكرية التي امتاز بها أولئك المصلحون عن غيرهم من البشر - الميزة التي ولَّدَت لهم أعداءَ الِّداء , يحسدونهم في السراء والضراء , ويرمونهم بما هم منه بَراء , كما هو الحالُ الآن في الحشويةِ الدمشقيةِ ورَميهم علماءهم الأطهار , وأحرارهم الأخيار , بالوهبنةِ تارةً , والزندقةِ تارةً أخرى.

ألا وإن التاريخ يعيد نفسه , فقد مثَّل لنا رميُ هؤلاء الحشوية للمصلحين بالوهابية رميَ الروافض لأهلِ السُنَّةِ بالنواصب , و تلقيب القدرية لهم بالمجبرة , وتسمية الجهمية لهم بالمجسمة والمشبهة زِد على أنَّ هذه الأقاويل لا تغمط من قدرهم ولا تحط من علمهم شيئاً , بل على العكس من ذلك فإنها قد تكون واسطةً لرفعةِ شأنهم وتألق شهرتهم كما قال الغزالي: (واستحقر من لا يُحسَد ولا يُقذف , واستصغر من بالكفر أوالضلال لا يعرف، فأيُّ داعٍ أكملُ وأعقلُ من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وقد قالوا إنه مجنونٌ من المجانين , وأي كلامٍ أجمل وأصدق من كلام ربِّ العالمين وقد قالوا إنه أساطير الأولين ... )، ومن ذلك قول ابن حزم (ومن حقق النظر , وراضَ نفسَه على السكون الى الحقائق وإن آلمته في أول صدمة , كان اغتباطه بذم الناس إياه أشدَّ وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه ... ).

بيد أنَّ مع كل هذا وذاك أراني في حاجةٍ شديدةٍ تدفعني إلى أن ألفت أنظار الجمهور إلى أنه لايسوغُ الاعتمادُ في مثل هذه الحال على تقوّل الخراصين من أؤلئك الطغام الحشوية أنصار الحزب القديم , أو الإخلاد إلى الجمود على ما نقل عنهم هؤلاء ومن لَفَّ لَفَّهم من الغاغة.

إذ لو أخذنا القول على عواهنه كما يُلقى على مسامعنا جُزافاً دون بحثٍ ولا نظرٍ لاختلط الحابلُ بالنابلِ , والعالمُ بالجاهلِ , ولم نعُد نميز بين مَنْ كان في قومه مثال الكمال فأتى بأعمالٍ عظيمةٍ وأحسنَ صنعاً , وبين من كان شراً مجسَّماً فعاث في الأرض فساداً وساءَ عملاً.

وللوقوف على جليةِ الأمر يجب أن نُقلِّب صفحات التاريخ , وننظر ما أُثر عنهم من ثناءٍ وقول وما أبقوا من عمل , ولا يكفي ذلك لمعرفة حقيقتهم تمام المعرفة بل يجب أن نستقرئ حركاتهم أيام حياتهم استقراءً علمياً دقيقاً، بعد ذلك يخول لنا أن نحكم عليهم بعد أن كُنَّا تصورناهم حقَّ التصور , فإن وجدناهم طبقَ ما يُقال عنهم قبلناه وحولنا مجرى أفكارنا , وإلا رفسناه بأخمص أقدامنا وضربنا به عرض الحائط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير