تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يجري هذا المجرى وتجدر العناية به وإعطاؤه جانباً من التمحيص والتدقيق مسألة (الوهابية) التي طارَ في عامة الأقطار نبؤها , واستلمت زمامها (الحشوية) فأصبحت تديرها ما شاءت وشاءَ لها الهوى , حتى غمض الحق على طالبيه , فذهب بين جهل شيوخ السوء وأغراض أعداء التجديد. وما كان أحرى هؤلاء أن لا يخوضوا في هذه المسألة , فقد آل نبأُ الوهابية الى أن صارَ سمراً وفكاهات , ومن ذلك أن من روى من المدرسين أو الخطباء أحاديث في الشرك جلياً أو خفياً يتناجون بأنه يرمز للوهبنة ويسمونه (وهَّابياً) , وهكذا إشاعتهم عن غرف القراءة العامة التي أسست في حاضرتنا حديثاً (هي غرف القراءة التي أسستها في دمشق جمعية النهضة العربية) ونوهت بها جرائد سوريا وبيروت بأنها منتدى الوهَّابية. ومن النكت الغريبة أن أحد الشيوخ عنده لوحٌ مكتوبٌ عليه كلمة (يا وهَّاب) , وله إطارٌ نفيس , فقيل عنه أنه لم يُؤثِرْ هذه القطعة إلا أنه مغرمٌ بالوهابية. وكذلك من كان اسمه (عبد الوهاب) صار يُقال عنه إن أباه كان وهابياً حتى آثر تسمية ابنه باسم زعيم تلك الفئة , مع أن زعيمهم يدعى (محمد بن عبد الوهاب) فكان الأجدر تسميتهم (محمدية).

وهكذا قُل عن تلقيبهم الأهرام والمقطم وأشباهها بأنها جرائد الوهابية. ومثله تشهيرهم بأنَّ كل من هاجر من وجه الاستبداد نازحاً عن بلاده هو من الوهابية , وكذلك أبطال الحرية وخطباء الدستور , مما يضحك الثكلى ويبكي العاقل.

وهكذا الحال الآن , فلا تسمع في المنتديات - عامةً كانت أو خاصةً - إلا الوهابية والوهبنة لكل من أنكر منكراً , أو ناقش في أمرٍ أو بحث في مسألة. وقد عرف الجميعُ سرَّ المسألة , بل انقلب الأمرُ على القائمين ضد الوهابية وانعكست القضية إذ زرعوا في أذهان العامة من الرجال وحتى النساء مفرداتهم وما يُؤثر عنهم وأصبح كثيرٌ من الناس يدقق في تلك المسائل ويلهج بها ويسأل عنها النبهاء المنورين ليصل إلى أصلها.

وكثير من أولي السذاجة والفطرة توهبن بفضل تلك الثورة التي هاج ثائرها منذ عهد غير بعيد. ولقد كان بعض الفلاسفة يُسرُّ جداً بإشهار بعض المسائل ولغط العامة بها أو اضطهاد الحكومة لأهلها فيقول (لا أنجع من ذلك لإشهار أمرها وإدخالها إلى كل أذن ودار) وكان يقول: (لو شعر الثائرون في وجه أمرٍ والقائمون عليه ماذا ينتج تثويرهم وهياجهم من رد الفعل وانعكاس الأمرِ عليهم لقبعوا رؤسهم ولم ينبسوا ببنت شفة).


قالوا (الحقيقة بنت البحث). نعم , وهذا ما حدا بي إلى أن آتي في هذه العجالة على نتف من حقيقة أمر هؤلاء الوهابية ليتبين الرشد من الغي , ويعلم أولئك المموهون أن للحق أنصاراً , وأن التاريخ لا يترك كبيرةً ولا صغيرةً إلا أحصاها.

وبعد فمن هم أولئك الذين يُفترى عليهم ما يُفترى؟

هم أولئك الطائفة من الحنابلة التي تتمذهب بمذهب الإمام أحمد وعقيدته لم يخرجوا عنها قيد شبر , وهم يتبرأون من الشرك الجلي والخفي الذي حذَّرَ منه النبيُ صلَّى الله عليه وسلم , وهم يعتقدون أن اللهَ سبحانه أقربُ إلى الإنسانِ من حبل الوريد , وأنه على كل شيء شهيد , وأنه أمر أن يُدعى وحده كما جاء في الآية: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى .. } [الإسراء: 110] وفي أخرى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .. } [غافر: 60] وأنه يُتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا و بالأعمال الصالحة.

هم أولئك الذين يقدمون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة على غيرها , ومذهبهم في صفاته تعالى مذهب السلف: لا تشبيه , ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير