تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أهل الحديث والسنة المحضة متفقون على إثبات العلو والمباينة وإثبات الرؤية وحينئذ فمن أثبت أحدهما ونفى الآخر أقرب إلى الشرع والعقل ممن نفاهما جميعا فالأشعرية الذين أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة أقرب إلى الشرع والعقل من المعتزلة والشيعة الذين نفوهما أما كونهم أقرب إلى الشرع فلأن الآيات والأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على العلو وعلى الرؤية أعظم من أن تحصر وليس مع نفاة الرؤية والعلو ما يصلح أن يذكر من الأدلة الشرعية وإنما يزعمون أن عمدتهم العقل فنقول قول الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء وذلك أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا ترفع إليه الأيدي ونحو ذلك كانت الفطرة منكرة لذلك والعقلاء جميعهم الذين لم تتغير فطرتهم ينكرون ذلك ولا يقر بذلك إلا من لقن أقوال النفاة وحجتهم وإلا فالفطر السليمة متفقة على إنكار ذلك أعظم من إنكار خرق العادات لأن العادات يجوز انخراقها باتفاق أهل الملل وموافقة عقلاء الفلاسفة لهم على ذلك فنقول إن كان قول النفاة حقا مقبولا في العقل فإثبات وجود الرب على العرش من غير أن يكون جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول وإذا ثبت أنه فوق العرش فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول من إثبات قول النفاة فتبين أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى العقل من قول النفاة وإذا قدر أن هذا خلاف المعتاد فتجويز انخراق العادة أولى من قول النفاة فإن قول النفاة ممتنع في فطر العقلاء لا يمكن جوازه وأما انخراق العادة فجائز.) منهاج السنة 3/ 208

فهذا نقل واضح يذكر فيه ابن تيمية رحمه الله أن الاشاعرة المثبتين للرؤية - مع كونهم لا يثبتونها كما يثبتها ابن تيمية والسلف من قبله - أقرب للعقل والشرع ممن ينفيها بما يزيل الألغام التي يضعها الأستاذ في طريق فهم القارئ لكلام ابن تيمية رحمه الله ..

- أما قوله رحمه الله " أن كون الباري ليس جسما ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول "

فهو قول صحيح يقر به الرازي نفسه وغيره من علماء الاشاعرة وأهل الكلام فهل يزعم الأستاذ فودة أن العلم بأن الله ليس جسما ضروري؟

فليصرح بذلك لو كان شجاعا ..

فقد أقر علماء الاشاعرة بأن كون الله جسما ليس معلوما بالفطرة ولا بمقدمات بينة في غيرما موضع من كتبهم وكذا كبار الفلاسفة نصوا على ذلك.

قال العز بن عبد السلام:

(فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخلفيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحدإلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها فيحق العامي) قواعد الاحكام 1/ 202

وقال الغزالي: (فإن قيل فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل الرسول صلى اللهعليه وسلمأنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخلالعالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصلولا هو في مكان ولا هو في جهة بلالجهات كلها خالية عنه فهذا هو الحق عند قوم والإفصاح عنه كذلك كما فصح عنهالمتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته قصور ولا في رغبته في كشف الحق فتور ولا فيمعرفته نقصانقلنا: من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بانهذالو ذكره لنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالإنكار وقالوا هذا عين المحال ووقعوا فيالتعطيلولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلاالأقلين وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمةللعالمين، كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين ... وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ماذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جداًبل لا يقبله واحد منالألف لا سيما الأمة الأمية) الجام العوام عن علم الكلام ص56 - 57)

فهذه إقرارات واضحة فاضحة ليست من علماء عاديين بل من أئمة المذهب الأشعري،

ووالله إن من يتأمل في مثل كلام الغزالي ليستحي من عقيدة إذا صرح بها للناس نفروا منها وقالوا عنها محالا، ولاستحى من مثل قول الغزالي أن النبي أقر الناس على التجسيم ولم يبين لهم الحق في التنزيه خشية الوقوع قي التعطيل بزعمه فيكون قد ينطق بما فيه هلاك الأكثرين أو الكافة إلا الأقلين!!!

ونحن نخاطب الأستاذ فودة بما أنه ربما يكون واحدا من ألف ذكرها الغزالي هل ما زلت مقتنعا ان ما تورده للقارئ نصوصا صريحة وواضحة؟

أما قول الفلاسفة الذين هم أصل هذه المصطلحات المبتدعة فهو متمثل في قول ابن رشد الفيلسوف حيث قال عن هذه الألفاظ:

( ... أحدها أن إدراك هذا المعنى ليس هو قريبا من المعروف بنفسه برتبة واحدة ولا برتبتين ولا ثلاثة وأنت تتبين ذلك من الطريق التي سلكها المتكلمون في ذلك فإنهم قالوا إن الدليل على أنه ليس بجسم أنه قد تبين أن كل جسم محدث وإذا سئلوا عن الطريق التي بها يوقف على أن كل جسم محدث سلكوا في ذلك الطريق التي ذكرناها في حدوث الأعراض وأن مالا يتعرى من الحوادث حادث وقد تبين لك من قولنا أن هذه الطريقة ليست برهانية ولو كانت برهانية لما كان في طباع الغالب من الجمهور أن يصلوا إليها)

فهؤلاء أئمة المذهب الأشعري معهم كبار الفلاسفة يقرون بان كون الله ليس بجسم ولا في جهة ولا داخل العالم ولا خارجه من الأمور التي هي عسرة الفهم ومخالفة لطبائع العامة وفطرهم لاسيما وان هذه السلوب ليست أدلتها ضرورية ولا قريبة منها إلى آخر ما ذكر ...

فإذا كان هذا باعتراف أئمة المذهب فماذا ينقم الأستاذ من ابن تيمية بعد ذلك؟!

وإذا كان هذا حال أصرح دليل لدى الأستاذ فودة وهو من الضعف والتهافت بهذه الصورة، مع كثرة الحيل والتلاعب والافتراءات التي لا تحصى فليتعرف القارئ الفطن على ما يسميه الاستاذ فودة نصوصا واضحة وصريحة.

الله المستعان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير