تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأقول: الأستاذ فودة قد لبس نظارة التجسم فصار لا يرى إلا هذه الكلمة مهما كان موضعها وأيا كان سياقها فهو لا يبالي وجه إيرادها ولا طريقة استعمالها فهو يتتبعها حيث كانت ..

ولقد ذكرت فيما سبق انه يجب استصحاب موقف ابن تيمية رحمه الله من لفظ الجسم وتحقيقه له وللقائلين به وتقسيمهم وقد نقلت في ذلك ما يكفي العاقل المنصف ...

فابن تيمية رحمه الله ما زال في سياق الرد على الرازي وما نقله الأستاذ أحد الوجوه الأحد عشر التي سبق ذكرها ونقلها في النص السابع ...

وهو رحمه الله يرد على الرازي ويفتعل خصومة بين المثبت والفيلسوف الدهري وبين الرازي الذي أراد هو أيضا من قبل أن يفتعل خصومة بينهما ليبطل قولهما ..

وقول الأستاذ: (وهذا تصريح آخر بشع وقبيح بأن الله تعالى هو جسم قديم. فتأمل وتعجب. ومراده بالمثبتين في سائر كتبه هم المجسمة من الكرامية والحنابلة)

أقول: قوله عن كلام ابن تيمية هذا تصريح شنيع هو ما يحلم به الأستاذ ولكنه بعيد المنال

وإذا رجع القارئ إلى الموضوع في كتاب ابن تيمية والذي نقلته هنا لأيقن أنه لا يليق بأي منصف أن يستل من خلال هذا المعترك كلمات يحكيها ابن تيمية على لسان غيره وربما كانت على سبيل الإلزام أو التسليم لدفع معارضة الخصم كما هو واضح في كلام شيخ الإسلام رحمه الله

- ومع ما سبق التنبيه إليه مرارا من أن لفظ الجسم الذي يذكر في هذا النص المزعوم هو على اصطلاح طوائف من المثبتين الذين يقولون بان الجسم هو الموجود القائم بنفسه والذي ذكره ابن تيمية في نفس الوجه والوجه الذي سبقه حيث قال: (فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف) وقال في هذا الوجه (كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه)

فتأمل كيف يتلاعب الأستاذ فودة ويحتال ليوهم القارئ أن لفظ الجسم المذكور هو ما يقرره الاشاعرة والفلاسفة حيث قال ملبسا:

"إذن فابن تيمية يعرف بالضبط ما الذي يريد إثباته، وهو معنى الجسمية المعروف والذي ذكرناه لك في أوائل هذا الفصل من كون الشيء قابلا للانقسام ولو بالوهم. او على الأقل يجوز فرض الأبعاد الثلاثة فيه ومن أثبت ذلك فهو مجسم قطعا"!!!

فقد ظهر ألان أن الأستاذ فودة يحتال على القارئ بما مزيد عليه.

- فقوله: هذا تصريح آخر شنيع لا محل له على الإطلاق، كيف والعبارة التي نقلها ليس فيها أي معنى لهذا التصريح بل توحي بعكس مراده وهذا يظهر من صيغة الألفاظ حيث قال

-: (إذا كانت هذه الحجة ... مستلزمة لكون ... أمكن أن يكون ذلك .. على قول المثبتين)

- فهل هذه الصيغة صيغة تصريح يا عقلاء أم هو التدليس والتلبيس والاستغفال؟

فهذه العبارة فيها قلب للدليل على الخصم وإلزامه بنقيض مراده الذي ينفيه ويفر منه، ولذا قال رحمه الله بعد ها:

(فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة)

فهذا من ابن تيمية على سبيل الإلزام للرازي وإلا فالرازي لا يسلم بأي من النتائج التي ذكرها شيخ الإسلام ولكنه يلزمه بها حيث أن مقدماتها ضرورية فطرية.

- وقول الأستاذ أن المثبتين الذين يذكرهم ابن تيمية هم المجسمة من الكرامية والحنابلة مردود عليه بالتفصيل الذي ذكرناه في مقدمة البحث والذي نص فيه ابن تيمية على مراده بالمثبتين فليس نحتاج بعده إلى تقول عليه وتخمين لمراده ...

- وأذكر هنا نصا من هذه النصوص التي تبعد بشيخ الإسلام رحمه الله عن هؤلاء حيث قال رحمه الله:

(قلت والكلام على هذا مع العلم بأن المقصود ذكر القول والفصل والحكم العادل فيما يذكره النفاة من الحجج والجواب عما ذكره من جهة منازعه ليس المقصود استيفاء حجج المثبتة بل إذ تبين أن هذا الذي هو الإمام المطلق في المتأخرين من هؤلاء النفاة المتكلمين والفلاسفة وعرف فرط معاداته لهؤلاء المثبتة الذين ذكرهم وذكر حججهم مع ما هم عليه من ضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف ومع ما فيهم من الانحراف ثم تبين ظهور حججهم العقلية التي ذكرها دع السمعية على ما استوفاه من حجج النفاة العقلية والسمعية مع استعانته بكل من هو من النفاة حتى المشركين الصابئين مثل أرسطو وأبي معشر وشعيتهما من الفلاسفة والمنجمين والمعتزلة وغيرهم .. ) (بيان تلبيس الجهمية 2/ 330)

فهل بعد هذا الكلام الواضح والصريح في تقويم حال المثبتين الذين يعارض بحججهم أقوال الرازي وحججه ووصفه لهم بالانحراف وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف وضعف حجتهم، فهل بعد الوقوف على ذلك يمكن لمنصف أن يقول إن ابن تيمية لا يخرج عن أقوالهم وأنهم هم أهل الحق عنده كما يزعم الأستاذ فودة؟!

الله المستعان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير