تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية، وأيضاً فقوله لهم: "إن الله قد أبدلكم" لما سألهم عن اليومين فأجابوه: "بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية" دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام؛ إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً؛ إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية"، ثم بين خطورة التشبه بالكفار، ومشاركتهم في أعيادهم ونحوها فقال: "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي ... فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم ... وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط عُلِّق الحكم به وأدير التحريم عليه، فنقول: مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة" ا. هـ

فإن قيل: إن الاحتفاء باليوم الوطني ونحوه من الأيام تشبُّه بالكفار، لأنهم أول من سنها واحتفى بها، فهذا هو الاعتراض الثاني، وسيأتي جوابه بعد قليل.

فإن قيل: إن العيد هو ما يتكرر عوده على وجه معتاد في السنة أو الشهر أو اليوم، وهذه الأيام المذكورة من اليوم الوطني، ويوم المعلم، ويوم الأم، ويوم المرور، وغيرها يتكرر عودها سنوياً على وجه معتاد، فتكون أعياداً بدعية محرمة.

فيجاب عن هذا بأمرين:

الأول: أن هذا الضابط المذكور، لو طردناه على كل ما يتكرر على وجه معتاد، لجعلنا الصلوات الخمس أعياداً، لأنها تتكرر يومياً على وجه معتاد وفي أوقات محددة، ولجعلنا تردد الموظفين والعمال على وظائفهم وأعمالهم أعياداً، لأنها تتكرر يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً على وجه معتاد وفي أوقات محددة، وكذا من يلتزم بوقت محدد في اليوم أو الأسبوع أو الشهر لاجتماعات اللجان والمجالس ونحوها، أو للعب مع زملائه أو الخروج لنزهة أو اجتماع في استراحة ونحوها ... وهكذا، وهذا لا يقول به أحد.

وقد سئلت مراراً عن الاجتماعات العائلية السنوية، التي يجتمع فيها أفراد العائلة من جميع المناطق في وقت محدد كل عام، ويصنع فيها الطعام، وقد توزع الهدايا والجوائز، ويهيأ المكان للعب الأطفال، هل هذا يعتبر عيداً، لأنه يتكرر كل عام على وجه معتاد؟ فكان جوابي: أنه ليس من الأعياد الشرعية في شيء، وإن كان ينطبق عليه تعريف العيد في الاصطلاح اللغوي. وأمثال هذا كثير في حياة الأفراد والمجتمعات. وما أظن هذا اللبس والإشكال الذي يحصل لبعض الناس إلا بسبب عدم التفريق بين معنى العيد في اللغة، ومعناه في الشرع.

الثاني: أن العيد وإن أطلق في اللغة على ما يتكرر عوده على وجه معتاد، وهو ينطبق على اليوم الوطني ويوم المعلم وأسبوع المرور وأمثالها، فإن الأعياد الشرعية، وهما عيد الفطر والأضحى يشرع فيهما أمران لا يتوفران في اليوم الوطني وأمثاله من الأيام، وهما:

1ـ أن عيد الفطر والأضحى شرع فيهما من الذكر والتكبير وصلاة العيد، وزكاة الفطر في عيد الفطر، وذبح الأضاحي في عيد الأضحى، ووجوب الفطر وتحريم الصيام فيهما ما لا يوجد مثله في بقية الأيام.

2ـ أن إظهار الفرح والسرور، وإشاعتهما بين الناس في هذين العيدين عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، كما أنه يشرع في هذين العيدين من التجمل والتطيب، والاحتفال بهما، والصلة والإحسان، والتسامح والتغافر، والتوسع في تناول الطيبات ما لا يشرع مثله في اليوم الوطني وأمثاله من الأيام، وإن تكرر عودها على وجه معتاد، أو أقيمت خلالها النشاطات التوعوية المتنوعة للفت الأنظار إليها، وتحقيق مصالحها، ودرء كل اعتداء واقع أو متوقع عليها، ولا يتقرب العبد إلى ربه بالاحتفال بها، وإظهار الفرح والسرور بإدراكها، ولا بالاغتسال ولبس الجديد من الثياب، ولا بالصدقة والإحسان، ولا بالتوسع في تناول الطيبات كما هو الحال في الأعياد الشرعية.

ولهذا كان الأولى أن تسمى أياماً لا أعياداً، حتى لا تلتبس بالعيد الشرعي، الذي له من الخصائص والأحكام ما لا يوجد مثله في هذه الأيام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير