وثمة علة أخرى في الاحتفال بهذا اليوم، وهو أن الاحتفال به تشبه ظاهر بالنصارى الذين جعلوا يوم ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام أكبر أعيادهم وأهمها، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَن" رواه البخاري ومسلم. وهؤلاء الفاطميون الذين سنوا هذه البدعة المنكرة وأدخلوها على أهل الإسلام قد تشبهوا باليهود والنصارى فيما هو أفحش من هذا وأشنع، وهو اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وعبادتها من دون الله، فالله المستعان.
وقد كتبت منذ بضعة أشهر مقالاً مطولاً عن خطورة البدع والتحذير منها، وحكم الاحتفال بالمناسبات الشرعية التي لم يأذن الله تعالى بالاحتفال بها، وهو منشور في مواقع "رسالة الإسلام" لمن أحب الاطلاع عليه.
وأما عيد الحب فلا شك في تحريمه لسببين:
الأول: أن له أصلاً دينيا عند أولئك الكفار الذين يحتفلون به، وما كان من شعائر دين الكفار فهو من التشبه الحرام كما بينته آنفاً.
الثاني: أن من يحتفلون بهذا يجعلونه مناسبة لتكريس الفساد الأخلاقي، والانفلات الجنسي، فيحرضون النساء على بذل أنفسهن في هذا اليوم لكل من يطلبهن، وأن يتبادل الناس الحب والمتعة المحرمة، ويسعد بعضهم بعضاً عن طريق الزنا والعلاقات الجنسية الفاجرة.
وهذا أمر لا يرضاه من عنده أدنى قدر من الدين والمروءة، ولو علم الجهلة من أهل الإسلام الذي يحتفلون بهذا اليوم ويقلدون الكفار أن ذاك أصله، وهذا مقصوده لأنفوا منه ولم يحفلوا به.
وأما الإشكال الرابع: وهو ما قد يعمل في اليوم الوطني من المنكرات والمخالفات الشرعية، فيكون تخصيص هذا اليوم والاحتفال به حراماً، لأن ما كان وسيلة لحرام فهو حرام.
فقد بينت آنفاً حكم الاحتفال باليوم الوطني، وحكم ممارسة هذه المخالفات الشرعية أو السكوت عليها والتغاضي عنها، وأن المنكر يحرم فعله، ويجب إنكاره ومنعه، سواء وقع في هذا اليوم أو في غيره، ولكن هذا لا يعني أن أصل اتخاذ هذا اليوم حرام، لأن هذه المنكرات قد يفعلها السفهاء وضعاف الإيمان في عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد يفعلون فيهما أكثر مما يفعلونه في اليوم الوطني، فهل يجرؤ أحد على القول بتحريم الاحتفال بهذين العيدين، لما قد يقع فيهما من المنكرات؟ فلا يصح أن نحكم على ما هو مشروع أو مباح في الأصل بأنه حرام، لأنه قد يفعل فيه شيء من المنكرات!! بل تمنع المنكرات، ويبقى المشروع أو المباح على أصله.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة شيخنا العلامة: عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم الشرع في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعيد الأم، وأسبوع الشجرة، وأسبوع المرور، واليوم الوطني للمملكة، وأسبوع المساجد، فجاء جوابهم متضمناً لكثير مما ذكرته آنفاً، وهذا هو نص الفتوى: "أولاً: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانيًا: ما كان من ذلك مقصودًا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبًا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم مثال ذلك: الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار.
وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلًا لمصلحة الأمة وضبط أمورها؛ كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» فلا حرج فيه، بل يكون مشروعًا"ا. هـ
ولعلك تلاحظ أخي القارئ الكريم أن اللجنة أجازت المشاركة في أسبوع المرور العالمي ونحوه مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة ... مع أن أسبوع المرور ونحوه من الأسابيع والأيام إنما جاءتنا من الكفار، وهم لا يزالون يدعون إليها ويقيمونها مع بقية دول العالم، بل إن اللجنة نصت على أن هذا لا حرج فيه، بل يكون مشروعاً.
ولكنها منعت من عيد الأم، والعيد الوطني، لما فيهما من التشبه بالكفار! والحقيقة أنه لم يظهر لي فرق بين أسبوع المرور ونحوه، وبين اليوم الوطني ويوم الأم والمعلم والعمال والشجرة وأمثالها. وقد أجبت سابقاً عن القول بأن اتخاذ هذه الأيام التي اتفق عليها العالم كله: مسلمه وكافره يعد من التشبه الحرام. وهذا هو الذي دعاني إلى أن ألتمس من مشايخنا الأجلاء بيان الفرق بين هذه الأيام، ووجه الصواب في هذه المسألة، التي لم تزل تثير الكثير من الجدل والبلبلة كلما حل بنا يوم من هذه الأيام، والتي تستنفر لها المدارس والجامعات ووسائل الإعلام. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
¥