تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويا ترى ما موقف سيد قطب من جعل الأولياء الصالحين أندادا لله تعالى، أفيظن هذا المخذول أن سيد المعروف بموقفه من تحكيم غير شريعة رب العالمين يتساهل في أظهر أمر واجهه الأنبياء والمرسلون وهو شرك القصد والتوجه والدعاء والنذر ونحو ذلك!! قال رحمه الله تعالى في الظلال (1412):" ولقد كان المشركون على عهد رسول الله e وقبله، ينذرون بعض أبنائهم للآلهة، أو لخدمة معابد الآلهة! تقرباً وزلفى إلى الله! ومع توجههم في أول الأمر لله، فإنهم بعد دحرجة من قمة التوحيد إلى درك الوثنية كانوا ينذرون لهذه الآلهة أبناءهم لتعيش وتصح وتوقى المخاطر! كما يجعل الناس اليوم نصيباً في أبدان أبنائهم للأولياء والقديسين. كأن يستبقوا شعر الغلام لا يحلق أول مرة إلا على ضريح ولي أو قديس. أو أن يستبقوه فلا ختان حتى يختن هناك. مع أن هؤلاء الناس اليوم يعترفون بالله الواحد".

إن المشكلة ليست في تقسيم التوحيد ولكن المشكلة في تضييع معنى التوحيد فلنفهم هذا أيها المسلمون، لأن الله تعالى لن يحاسبنا على اصطلاحات وضعها العلماء تسهيلا للناس أن يفهموا بها عقيدتهم، وتحميهم من الوقوع في درك الشرك الذي لا يغفره المولى عز وجل، وإنما يحاسبنا إذا وقعنا في الشرك وأيدنا أهله ودعونا إليه وخذلنا من يحاربه.

ومن المعلوم أيضا أن سيد قطب بالغ في مواضع كثيرة من كتبه في قضية الحاكمية حتى جعلها غاية الخلق وإرسال الرسل وتفسير لا إله إلا الله، ولا شك أن هذا من أخطائه البينة الواضحة، وهو في مواضع أخرى يجعلها من خصائص الألوهية وفي مواضع من خصائص الربوبية، ومعنى كلامه على تفسير صلاح عبد الفتاح الخالدي أن سيد قطب كان يرى أن توحيد الألوهية هو الأساس وهو معنى لا إله إلا الله وأنه يتضمن معاني الربوبية التي من خصائصها حاكمية الله تعالى، وعلى كل حال فإن من أظهر الطوائف التي وقعت في الشرك في حاكمية الله تعالى الصوفية الذين اتخذوا مشائخهم أربابا من دون الله تعالى يشرعون ويحللون ويحرمون، لذلك فهم من أبغض الخلق إلى سيد رحمه الله تعالى، ومن هذا التقرير يظهر تهافت الصوفي الذي يزعم أن العلماء أنكروا على سيد قطب أنه اخترع قسما رابعا للتوحيد وهو توحيد الحاكمية، فسيد قطب يسير على التقسيم الاصطلاحي المشهور من أن التوحيد ينقسم إلى قسمين توحيد الربوبية (أي المعرفة والإقرار وربما سماه سيد ألوهية) وتوحيد الألوهية (وربما سماه سيد توحيد العبودية والتوجه والربوبية)، انظر الظلال (1846،1910) ومما هو معروف لدى المبتدئين من طلاب العلم المسلمين أن التقسيم الثنائي لا ينافى التقسيم الثلاثي بزيادة الأسماء والصفات، لأن الأسماء والصفات داخلة في معنى الربوبية العام الذي يراد به معرفة الله تعالى، بل لا يتنافى هذا مع التقسيم الرباعي الذي ذكره الطحاوي في عقيدته:" نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله أن الله واحد لا شريك له ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره"، فالقسم الأول هو وحدانية الذات والثاني توحيد الصفات، والثالث توحيد الأفعال (وهو المعنى الخاص للربوبية) القسم الرابع هو توحيد الألوهية، وهذه التقسيمات كلها صحيحة لأن الذي يهم فيها أن تكون جامعة لكل معاني التوحيد المذكورة في القرآن، أما إن كان التقسيم ناقصا كتقسيم الأشاعرة التوحيد إلى ثلاثة أقسام توحيد الذات والصفات والأفعال –فيقولون واحد في ذاته فلا قسيم له وواحد في صفاته فلا مثيل له وواحد في أفعاله فلا شريك له، فهذا التقسيم لا يمكن أن يقبل عند أهل السنة (أو الحشوية كما يسميهم الطرقي) ولا عند سيد قطب لأنه لا ذكر فيه لتوحيد الألوهية والعبادة الذي هو غاية الخلق وإرسال الرسل، والذي لابد أن يعلمه المسلمون أن سبب إنكار من ينكر تقسيم التوحيد هو هذا القسم الذي ينكشف به شرك عباد القبور بالاستغاثة بأصحابها والذبح لهم والطواف بقبورهم، والزعم بأنه لا بأس بذلك ما داموا يعتقدون أن الله هو الخالق وأنه موجود، فنحن نَوَد من منكر تقسيم التوحيد أن يحدثنا صراحة عن حكم دعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والطواف بقبورهم، وأن يبين للناس عقيدته في بناء المساجد على القبور، وحكم الذبح للجن وتعليق تمائم الطلاسم والذهاب للمشعوذين والعرافين، وحكم من يزني ويشرب الخمر ويقول هو حلال علي لأني شيخ الطريقة والرسول يأتيني في اليقظة ويرخص لي بما لا يرخص به للناس، وحينها يغلق هذا الباب إن شاء الله تعالى.

ومما يرد به على هذا التاجر أنه إذا كان تقسيم من يسميهم حشوية بدعة فلماذا لا يكون تقسيم الأشعرية بدعة، ولماذا لا يكون تقسيم الدين إلى عقيدة وفقه وسلوك بدعة، هل نص عليه النبي e أو صحابي من الصحابة الكرام أم استفاده عالم من سورة الفاتحة!!! ولماذا لا يكون تقسيم الفقه إلى فقه العبادات وفقه المعاملات بدعة؟ أو دليلا على العلمانية كما يقوله بعض العاطلين؟ وإن الفكر الصوفي كما كان يراه سيد فكر لا يحتاج إلى مناقشة لأنه لا علم فيه ولا حجة لأهله، كيف وأهله القدماء كانوا يقولون إذا يرزوا علينا بعلم الورق خرجنا عليهم بعلم الخرق، ويربون الناس على اعتقد ولا تنتقد فما قدماه في هذه العجالة ما هو إلا توضيح لبعض الحقائق وقيام بواجب النصيحة للقراء ليس إلا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير