فهل من الحكمة والعقل, أن ننتبع كلّ عيد مجهول مغمور لا يعتقده إلا أصحابه بالبيان والإيضاح والإنكار.
إنما يكفي البيان العام, ليندرج ما كان في شكالته من الأشباه والنظائر كما هو معلوم.
ثم ألم تكتحل عيون هذا الدعيّ بمؤلفات أهل السنة والجماعة ومقالاتهم, بل وفتاويهم في إنكار كثير من الأعياد المحدثة, كعيد رأس السنة الميلادية, وعيد الحبّ وغيرها, مما عمّت به البلوى؟؟!!.
بل لم يقف هذا الإنكار عند اللسان فقط, بل تعداه للإنكار الحسيّ, وذلك من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الحرمين, التي ما فتئت تلاحق المحتفلين بهذه الأعياد المنكرة.
- ومن جهة أخرى هناك فروق شاسعة بين هذه الأعياد, وبيان عيد المولد النبويّ, وهذه الفروق تقتضي مزيد البيان والنصح, لحقيقة الاحتفال بالمولد النبويّ.
وبيان ذلك كالآتي:
أ- يتّخذ المحتفلون بالمولد النبويّ هذا العيد عبادة يتقرَّبون بها إلى الله جلّ وعلا, بخلاف أغلب الأعياد الأخرى فليس فيها نيّة التعبّد مطلقاً.
وغير خاف خطورة التعبّد بما لم يشرعه الله جلّ وعلا.
ب- أنّ عيد المولد النبويّ من الأعياد التي عمّت بها البلوى, حتى اعتقد حلّها الصغير والكبير, بينما أغلب الأعياد الأخرى مجهولة لا يعرفها إلا أصحابها.
- أما قوله: "بل ببعض الأعياد مقرّون ومشاركون".
فليسم لنا هذه الأعياد, وليعطنا الدلائل البينات, على مشاركة السلفيين لهذه الأعياد المنكرة.
إنّها تالله دعوى لا زمام لها ولا خطام, محض تجنٍّ وافتراء, وهذا ليس مستغرباً على هذا الدعيّ.
ثالثاً: استدلاله بوجوب الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم على جواز الاحتفال بالمولد, واتهامه للسلفيين بأنهم جفاة لا يحبون نبيهم صلى الله عليه وسلم.
خبط هذا الدعيّ في هذه الجزئية وجمع بين المتناقضات, ولم يصنع شيئاً, غير أنه أبان عن سفهه وضحالة علمه, وإليك البيان والبرهان:
1 - أوهم هذا الدعيّ القرّاء, بأنّ الخلاف بين السلفيين, والمجيزين للاحتفال بالمولد, هو خلاف بين فئة محبةّ للنبي صلى الله عليه وسلم فرحت بمولده, وبين فئة مقابلة ليست محبة له, ولم تفرح بمولده.
وهذا والله قمة في السفاهة والسفالة.
- أيعقل أن يكون السلف من الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين غير محبين للنبي صلى الله عليه وسلم, وهم الذين نذروا أوقاتهم, وبذلوا مهجهم نصرة لنبييهم صلى الله عليه وسلم؟؟.
وأخبار السلف التي تدلّ على حبهم وفرحهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أشهر من نار على علم, ورغم ذلك لم يجعلوا من هذا الحبّ العظيم ذريعة للاحتفال بالمولد.
سئل علي رضي الله عنه:"كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما كان أحد أحبّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه"] رواه مسلم [.
ورغم حبهم العظيم لنبيهم إلا أنهم لم يجعلوا ذلك مصوّغاً للاحتفال بمولده صلى الله عليه, فهل نتهم -كما فعل هذا الدعيّ- الصحابة بأنهم غير محبين لنبيهم, وأنهم لم يفرحوا بمولده صلى الله عليه وسلم؟؟!!.
2 - ثمّ لا ريب أنّ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته للأمة، إنما هي من فضل الله ورحمته على الناس كافة، ولكن ما دخل هذا بالاحتفال بذكرى المولد؟ ومن قال إن الفرح بمولده لا يحصل إلا بإحياء مثل هذه البدع؟ ولِمَ لم يفهم الصحابة من هذه الآية هذا المعنى الذي فهمه هذا الدعيّ الجهول, هل هو أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أم هو أشدّ حباً لنبينا صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بمولده وبعثته يكون باتباع شريعته وسنته, والاقتداء بهديه, لا بالابتداع في الدين.
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ.
¥