[الاشتراك في الأذهان ولكل شيء وجود يخصه]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[20 - 10 - 08, 12:51 ص]ـ
[الاشتراك في الأذهان ولكل شيء وجود يخصه]
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
من المسائل الدقيقة التي تفرد – في ظني – شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيانها هذه المسألة المهمة ألا وهي أن المطلق بشرط الإطلاق لا يوجد إلا في الأذهان وبيان أن الاشتراك بين الأشياء إنما هو في الأذهان ولكل شيء من الأشياء وجود يخصه؛ وهذه المسالة إذا تدبرها الإنسان وخصوصا من قام في نفسه تأويل أو تعطيل الصفات لزال عنه كثير من الإشكالات التي تعترضه في إثبات الصفات.
فمثلا لفظة الإنسان هذه من الألفاظ المطلقة ولا يوجد هذا اللفظ بشرط الإطلاق إلا في الذهن أما خارجه فلا يوجد مسمى الإنسان إلا معينا ومقيدا مثلا خالد , محمد , عمر , عثمان إلخ.
وكذلك يقال مثلا في الصفات لو قلنا مثلا الحي أو الحياة فهذه من الألفاظ المطلقة التي يتصورها الذهن؛ ولكن في خارجه لا يوجد هذا اللفظ إلا مقيدا ومعينا مع بيان اختصاص كل واحد بحقيقة حياته وماهيتها فلو قلنا مثلا حياة الله وهذا لفظ مقيد دل على حقيقة هذه الحياة التي لايسبقها عدم ولا يلحقها زوال.
ولو قلنا حياة خالد أو فلان من الناس لعرف أن حياته تختص به التي يسيقها العدم ويلحقها زوال , وعند التحقيق لا يتصور الاشتراك بين حياة الخالق وحياة المخلوق إلا في الذهن وهو الاشتراك باللفظ فقط؛ وأما خارج الذهن في الحقيقة فلا اشتراك بينهما , ومن هنا قامت الشبهة في أذهان كثير من المأولة والمعطلة أن ما فهم منه الاشتراك في الذهن يلزم منه الاشتراك خارجه في الحقيقة والماهية؛ وهذا الفهم كما ذكر شيخ الإسلام أصل بلية التحريف والتعطيل.
وهكذا يقال في بقية الألفاظ والمسميات فخذ مثالا آخر لفظة الوجود لفظ مطلق يتصور فيه الذهن وجود واجب الوجود ويتصور فيه أيضا وجود الممكن؛ وهذا الوجود بإطلاقه لو تصور فيه الذهن اشتراكا لكان هذا فقط في الذهن أما خارج الذهن وفي الحقيقة والماهية فوجود واجب الوجوب يختلف بتاتا وقطعياعن وجود سائر الأشياء.
ومثال آخر لفظة اليد مثلا هكذا مطلقة أي بدون قيد أو تخصيص لا توجد إلا في الذهن أما في الحقيقة فلا توجد هذه اللفظة إلا مقيدة يقال يد الإنسان ويد السيارة ويد النافذة ويد النملة ويد الجمل؛ فأنت ترى أن لا اشتراك بين هذه الأشياء في الحقيقة إلا ما يتصوره الذهن من لفظة اليد وهذه اللفظة كما قدمنا لا توجد مطلقة إلا في الأذهان لا في خارجها فلا إشكال في إطلاق هذه الصفة على الله فيقال يد الله ولا يقوم في الذهن أن إثبات هذه الصفة يلزم منه اشتراك بين الخالق والمخلوق لأن وجود كل شيء يخصه ووجود الخالق كما بينه الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
وبعد هذه المقدمة نأتي إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله.
ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضا في هذا المقام فتارة يظن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات التشبيه وتارة يتفطن أنه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة.
مجموع الفتاوى (3
76)
وقال أيضا: الوجود المطلق بشرط الإطلاق أو بشرط سلب الأمور الثبوتية أو لا بشرط مما يعلم بصريح العقل انتفاؤه في الخارج ,وإنما يوجد في الذهن وهذا مما قرروه في منطقهم اليوناني وبينوا أن المطلق بشرط الإطلاق كإنسان مطلق بشرط الإطلاق وحيوان مطلق بشرط الإطلاق جسم مطلق بشر الإطلاق ووجود مطلق بشرط الإطلاق: لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان.
¥