تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مُدارَسَتِهِ وتَدَبُّرِ معانِيه، وهجرُ العَمَل بأحكامِهِ والتزامِ حلالِهِ وحرامِه؛ وهذا الأخيرُ مِنْ أعْظَمِ أنواعِ الهجْرِ، فإنْ كانَ ذلكَ مَع دَعْوى أنَّ أحكامَهُ لا تُناسِبُ الزمانَ!؛ ونَحْوِ ذلكَ من البُهتان، أو مع الاستِعاضَةِ عنْهُ بالشرائعِ الوضْعِيَّةِ فذلكَ كفْرٌ بَواحٌ، نَعوذُ باللهِ مِنه.

فالواجِبُ على العُلَماءِ وطلَبَةِ العِلْمِ أنْ يولُوا مُدارَسَةَ الكتابِ العَزيزِ العِنايَةَ البالِغَةَ، فإنهُ نِهايَةُ العِلْمِ وغايَتُهُ؛ وقِطافِهُ وثَمَرَتُه، وبِعِلْمِ تأويلِهِ دَعَى النبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لِحبْرِ الأمَّةِ ابن عباسٍ رضيَ الله عنه، فلا جَرَمَ أن كانتِ العُلُومُ كلُّها بَلْهَ السنَّةَ النبَويَّةَ خادِمَةً لَهُ عَلى صاحِبِها صلَواتُ اللهِ وسلامُه.

ولذا كانَ طالِبُ هذا العِلْمِ يَحتاجُ إلى كثيرٍ من العُلُوم؛ بادئاً بِعُلُومِ الآلَةِ مِن اللغَةِ وفُروعِها؛ والنحْو والصرْفِ؛ وأصولِ الفِقْهِ والفقْهِ؛ وأصولِ الحديثِ والحديث؛ والعَقِيدَة؛ وَوُجُوهِ القراءات؛ وغَيْرِها، كما يَحْتاجُ إلى العِنايَةِ بأصُولِ التفْسيرِ وعُلُومِ القرآنِ خاصةً.

وكُلَّما كانَ الطالِبُ أرحَبَ باعاً في هذا العُلُوم كُلَّما كانَ أكثَرَ تَمَكُّنا مِنْ هذا العِلْم الجليل؛ وأبْعَدَ عَن الزلَّةِ فيه، فَهُوَ علْمٌ على جلالَةِ قدْرِهِ يَحتاجُ إلى أنْ يُنْفَقَ في تَحْصِيلِهِ نَفائسُ الأوقاتِ وزَهَراتُ الأعْمار، ولَعَمْرُ اللهِ إنه لَحَرِيٌّ بذلكَ، نَسْألُ اللهَ أنْ يَفْتَحَ لنا مِنْ بَركاتِهِ وكُنُوزِه.

وأحْسَنُ مَن رأينا مِنْهُم العِنايَةَ بهذا الفَنِّ مِن عُلماءِ زَمانِنا هُمْ عُلَماءُ الديارِ الهِنْدِيَّةِ؛ ولَهُمْ فيهِ طَرِيقَةٌ خاصَّةٌ وضَعَ أُصولَها وقَواعِدَها العلامَةُ الشاهُ وليُّ اللهِ الدِّهْلَوِيُّ رَحِمَهُ الله؛ ولأجْلِها صَنَّفَ كتابَهُ (الفوزَ الكبير)، وهِي طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ كَثيرَةُ الفوائدِ والدُّرَر؛ تَلَقَّيناها وللهِ الحَمْدُ عن عَدَدٍ من عُلَماءِ تِلْكَ الديار، ونَفَصِّلُها في مَوْضِعٍ آخَرَ إن شاءَ الله.

أما كُتُبُ التفْسيرِ فِهِيَ كَثِيرَةٌ وللهِ الحَمْدِ؛ ومَعَ ذلكَ فلا يُغْنِي مِنها كتابٌ عن كِتاب!؛ وقدْ رأيتُ في مَكْتَباتِ بعضِ شُيُوخِنا أيامَ الطلَبِ أكثَرَ من مائةٍ وعِشْرِينَ تَفْسيراً؛ وذلكَ من نَحْوِ عِشرينَ عاما، وقدْ أخَبَرَنا أنَّهُ يَطالِعُها جَمِيعَها قَبْلَ الدرس!؛ لاقِتِناصِ فوائِدِها، وكُنا نَرَى ثَمَرَةَ ذلكَ أيامَ قِراءَتِنا هذا الفنَّ عَلَيه، ثمَّ لما مَنَّ اللهُ تعالَى علَيَّ وسلكْتُ مَسْلكَ الشيخِ في تَدريسِ هذا الفَنِّ مِنْ نَحْوِ عَشرِ سِنين أو يَزيدُ كُنْتُ ألْزِمُ نفْسي بِمُطالَعَةِ أربَعِينَ تَفْسيراً قَبْلَ الدرْسِ فَوجَدْتُ في ذلكَ مِصْداقَ ما ذكَرَهُ شَيْخُنا أثابَهُ الله.

غَيْرَ أن الطالِبَ لا يَسَعُهُ أن يَصْنَعَ هذا أولَ الطلَب، خاصَّةً وأنَّ مِنْها ما نَصَرَ مُصَنِّفُوها أقوالَ أهْلِ البِدَعِ في الاعْتِقاداتِ؛ كَما صَنعَ الزمَخْشَرِي في الكشافِ بِنَصْرَتِهِ أقوالَ المُعْتَزِلَة؛ حتى قالَ الإمامُ أبو حيان: أخْرَجْتُ الاعْتِزالَ مِن كِتابِهِ بالمَناقِيش!، وكما صَنَعَ البيْضاوِيُّ في تَفْسيرِهِ حيثُ أدرَجَ فيهِ عقائِدَ الأشاعِرَةِ مَعَ كَثْرَةِ فَوائِدِ الكتاب.

والواجِبُ عَلى الطالِبِ أن يَبْدَأَ بالتَفاسيرِ التي نصرَتْ مذاهِبَ أهلِ السنَّةِ، ومِن أحْسَنِها تَفْسيرُ ابنِ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ على هَناتٍ فيه، ومَعَ ذلكَ فأرى أن البدْءَ بهِ عَسِرٌ على المُبْتَدئِ لأنَّهُ طَوَّلَهُ بالأسانِيدِ وبَعْضِ الاستطراداتِ في المباحِثِ الفِقْهِيَّةِ التي لا تُناسِبُ المُبْتَدِئين؛ معَ ما في كِتابِهِ مِنْ شَوبِ الاسرائِيلِيَّاتِ التي لَم يَسْلَم مِنها على جلالَةِ قدْرِهِ رحِمَهُ الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير