القول الأول: أن من دخلها لا يخرج منها أبدا .. بل كل من دخلها مخلد فيها أبد الآباد بإذن الله وهذا قول الخوارج والمعتزلة ..
القول الثاني: أن أهلها يعذبون فيها مدة .. ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم .. وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي ..
القول الثالث: أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود .. ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم آخرون .. وهذا القول حكاه اليهود للنبي فأكذبهم فيه ..
القول الرابع: قول من يقول يخرجون منها وتبقى نارا على حالها .. ليس فيها أحد يعذب .. حكاه شيخ الإسلام والقران والسنة أيضا يردان على هذا القول ..
القول الخامس: قول من يقول بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن .. وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته .. وهذا قول جهم بن صفوان وشيعته .. ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار ..
القول السادس: قول من يقول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم .. وهذا قول أبي الهذيل العلاف إمام المعتزلة ..
القول السابع: قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى .. فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها .. قال شيخ الإسلام: وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم ..
ثم استدل على هذا القول بكلام كثير .. ويهمني قوله بعد إيراده قول عمر بن الخطاب .. : (لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه) .. ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} .. فقال ابن القيم بعده .. :
(ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها .. فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها .. وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه .. ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم)
ثم بعد هذا ذكر قول الذين قطعوا بدوام النار .. وقال في احتجاجهم بالإجماع .. :
(فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين لا يختلفون فيه .. وأن الاختلاف فيه حادث وهو من أقوال أهل البدع .. )
ثم رده بقوله .. :
(الإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم .. وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع .. وقد عرف النزاع فيها قديما وحديثا .. بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا .. ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك)
وذكر استدلالهم بأن .. : (السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار .. وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار .. وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان)
ثم رده بقوله .. : (وأما مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك .. فهي حق لا شك فيه .. وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها وهي دار العذاب لم تفن .. ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية والنصوص دلت على هذا وعلى هذا)
ثم يقال أيها الفضلاء .. إذا كان القول السابع (وهو فناء النار) مختص بنار الموحدين .. فهل على كلامكم القول الثامن أيضا في نار الموحدين وأنها لا تفنى وأن أهلها لا يخرجون منها .. ؟!
فواضح للمنصف أن ابن القيم حكى القولين واستدل للقول بفناء النار .. ولم يخص نار الموحدين كما قلتما بارك الله فيكما .. بل الحديث صريح في النار كلها .. وهذا ما قلناه: أن ابن القيم حكى القولين واستدل لهما .. ثم لما جاء الترجيح قال .. :
(فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة .. ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب .. فإن قيل: فإلي أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟ قيل إلى قوله تبارك وتعالى {إِنَّ رَبَكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .. )
فترك الترجيح فيها والجزم بشيء .. ولكن ظهر ميله الشديد للقول السابع .. رحمه الله وبارك فيه ..
¥