ولذلك ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله] فليس في قلبي متسع لغير ربي، فمحبتي كلها له فهذا أعلى الحب وأكمله ولذلك يقول إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كما في حديث الشفاعة الطويل الثابت في مسلم وغيره عندما [يذهبون إليه فيقولون له اشفع لنا فأنت اتخذك الله خليلاً فيقول: إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون له فيشفع لهم] وهي الشفاعة العظمي والمقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، النبيون والمرسلون عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
نعم يلي نبينا في الفضيلة إبراهيم فهو خليل الرحمن وما بلغ مرتبة الخلة إلا نبينا عليه الصلاة والسلام وأبونا إبراهيم، فإبراهيم جعل قلبه للرحمن بشهادة ذي الجلال والإكرام حيث قال (إذ جاء ربه بقلب سليم)، وجعل بدنه للنيران وماله للضيفان وولده للقربان أما يستحق هذا أن يتخذه ربنا الرحمن خليلاً وحقيقة الخلة كاملة، والمحبة تامة والعبد هو من جمع حباً وذلاً، يحب ربه من كل قلبه بكل قلبه، ويتذلل له بجميع جوارحه.
فمن حقق هذين الأمرين فهو عبد، فالنعت إذن بوصف العبودية هذا مدح ليس بعده مدح أن يقول لك ربك عبدي، هذا شرف لك ليس بعده شرف.
ومما زادني عجباً وتيهاً \\\ وكدت بأخمصي أطأ الثُّريا
دخولي تحت قولك يا عبادي \\\ وأن صيرت أحمد لي نبيا
ولكل ما سبق نُعت النبيُّ صلي الله عليه وسلم بـ (عبده).
الأمر الثاني:
الذي من أجله وصفه الله بهذا الوصف خشية أن تغلو الأمة فيه، فنعته بوصف العبودية لتعرف الأمة وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته لا نقول: بما أنه أفضل المخلوقات وأسرى الله به وعرج به إلى السماء وأنزل عليه القرآن وفضله على العالمين إذن نذهب نصلي لقبره ركعتين وعندما نذبح نقول بسم محمد وعندما نقع في كربة نقول يا رسول الله فرج عنا، فلئلا تقع الأمة في هذا الضلال أخبرنا الله أنه عبد فإذا كان عبداً فلا يحق أن تصرف له شيئاً من العبادة، فهذا خاص لله جل وعلا.
فَنُعِتَ بهذا الأمر لأجل المدح والتحذير من الغلو ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله] عليك صلوات الله وسلامه يا أفضل خلق الله ويا أكرم رسل الله، والإطراء وهو المجاوزة في المدح والمبالغة فيه.
إخوتي الكرام ..... إذا ذكر الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يذكره بالتبجيل والتوقير والاحترام وأن يتبع هذا عليه الصلاة والسلام.
وأما ما شاع بين الناس في هذه الأيام لما خربت قلوبهم وأظلمت من جفاء نحو ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام تراه على المنبر وأحيانا داعي يقول: كما قال رسولكم محمد بن عبد الله، فهذا ينبغي أن يضرب على فمه حتى تسيل الدماء منه، فهذا جفاء وقلة حياء بل كان الواجب أن يقول قال محمد رسول الله، هل نعته الله بأنه ابن عبد الله في كتابه؟ وهل في نسبته لأبيه مدح؟ لا إنما في نسبته إلى الله مدح فالواجب أن يقال: رسول الله خاتم النبيين وغيرها فبهذا نعته الله (محمد رسول الله)، (محمد عبد الله ورسوله)، (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم وخاتم النبيين)، (يا أيها النبي اتق الله)، (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل لك)، ولم ترد إضافته إلى أبيه في القرآن.
ولا يجوز أن تضيفه إلى أبيه إلا في مقام النسب فقط، فتأتي بنسبه فتقول: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – إلخ النسب ما عدا هذا ذكره مضافاً إلى أبيه من البذاء والجفاء وقلة الحياء وعدم تعظيم خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، فانتبهوا لهذا. تضيفه لله فلا حرج قال محمد بن عبد الله ورسوله لكن ليس: قال محمد بن عبد الله. (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)
وقد أفتى ابن حجر الهيتمي بأن من قال عن نبينا عليه الصلاة والسلام بمقام الدعوة والتبليغ قال محمد بن عبد الله بأنه يعزر.
وحقيقة الأمر كذلك لأن هذا كما قلنا من عدم توقير النبي عليه الصلاة والسلام.
(المسجد الحرام)
¥