المتضمن للخبر المحض. ولهذا قال الفقهاء: اليمين إما أن توجب حقا؛ أو منعا؛ أو تصديقا؛ أو تكذيبا. وإذا كان معقولا في الإنسان أنه يكون آمرا مأمورا كقوله: {إن النفس لأمارة بالسوء} وقوله: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} مع أن العبد له آمر وناه فوقه والرب الذي ليس فوقه أحد لأن يتصور أن يكون هو الآمر الكاتب على نفسه الرحمة والناهي المحرم على نفسه الظلم أولى وأحرى وكتابته على نفسه ذلك تستلزم إرادته لذلك ومحبته له ورضاه بذلك وتحريمه الظلم على نفسه يستلزم بغضه لذلك وكراهته له وإرادته ومحبته للفعل توجب وقوعه منه وبغضه له وكراهته لأن يفعله يمنع وقوعه منه. فأما ما يحبه ويبغضه من أفعال عباده فذلك نوع آخر ففرق بين فعله هو وبين ما هو مفعول مخلوق له وليس في مخلوقه ما هو ظلم منه وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو الإنسان هو ظلم كما أن أفعال الإنسان هي بالنسبة إليه تكون سرقة وزنا وصلاة وصوما والله تعالى خالقها بمشيئته وليست بالنسبة إليه كذلك إذ هذه الأحكام هي للفاعل الذي قام به هذا الفعل كما أن الصفات هي صفات للموصوف الذي قامت به لا للخالق الذي خلقها وجعلها صفات والله تعالى خلق كل صانع وصنعته كما جاء ذلك في الحديث وهو خالق كل موصوف وصفته. ثم صفات المخلوقات ليست صفات له: كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذلك به. وكذلك حركات المخلوقات ليست حركات له ولا أفعالا له بهذا الاعتبار؛ لكونها مفعولات هو خلقها. وبهذا الفرق تزول شبه كثيرة والأمر الذي كتبه على نفسه يستحق عليه الحمد والثناء وهو مقدس عن ترك هذا الذي لو ترك لكان تركه نقصا وكذلك الأمر الذي حرمه على نفسه يستحق الحمد والثناء على تركه وهو مقدس عن فعله الذي لو كان لأوجب نقصا.
رقم الفتوى: 27317عنوان الفتوى:عقيدة المعتزلة في وجوب الأصلح على الله والرد عليهمتاريخ الفتوى:09 ذو القعدة 1423/ 12 - 01 - 2003السؤال ثلاث إخوة مات أحدهم صغيراً وبلغ الآخران سن الرشد فعمل أحدهما بعمل أهل الجنة والآخر بعمل أهل النار. فيوم القيامة يقول الذي مات صغيراً ربي لم لا تعطني درجة أخي في الجنة؟ ويقول الذي دخل النار ربي لم لم تقبضي صغيراً فأدخل الجنة؟ فما جواب ذلك أفيدونا مأجورين؟
الفتوىالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكره السائل هو إيراد أورده الشيخ أبو الحسن الأشعري على الجبائي المعتزلي حيث كان يقول كما تقول المعتزلة: إنه يجب على الله أن يفعل الأصلح لعباده، وإنه تعالى فعل بكل أحد غاية مقدوره من الأصلح، قالوا: وليس في مقدوره -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- ما لو فعله بالكفار لآمنوا جميعاً وإلا لكان تركه بخلا وسفها .... إلى آخر ما يقولون من العقائد الباطلة في هذا الباب.
وقد ألزم أهل السنة المعتزلة بإلزامات ترد على مذهبهم .. قال السفاريني في لوامع الأنوار 1/ 330: ولمذهب المعتزلة لوازم فاسدة تدل على فساده:
- فمنها: أن النوافل صلاح فلو كان الصلاح واجباً لوجبت وجوب الفرائض.
- ومنها: أن عدم خلق إبليس وجنوده أصلح للخلق وأنفع ....
- ومنها: ما ألزمه الإمام أبو الحسن الأشعري، للجبائي وقد سأله عن ثلاثة إخوه أمات الله أحدهم صغيراً، وأحيا الآخرين فاختار أحدهما الإيمان واختار الآخر الكفر، فرفع الله درجة المؤمن البالغ على أخيه الصغير في الجنة بعمله، فقال أخوه الصغير: يارب لم لا بلغتني منزلة أخي؟ فقال: إنه عاش وعمل عملاً استحق به هذه المنزلة، فقال: يارب فهلا أحييتني حتى أعمل مثل عمله فأبلغ منزلته؟ فقال: كان الأصلح أن توفيتك صغيراً لأني علمت أنك إن بلغت اخترت الكفر فإن الأصلح في حقك أن أميتك صغيراً، قال الأشعري: فإن قال الثاني يارب: لِمَ لَمْ تمتني صغيراً لئلا أعصي فلا أدخل النار، فماذا يقول الرب؟ فبهت الجبائي، وكان الأشعري على مذهب الجبائي معتزلياً ثم تاب من القول بخلق القرآن والعدل ..... انتهى
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وأيضاً يلزم القائلين بوجوب الأصلح أن يوجبوا على الله أن يميت كل من علم من الأطفال أنه لو بلغ لكفر ..... أو أن يجحدوا علمه سبحانه بما سيكون قبل كونه، وقد التزمه سلفهم الخبيث الذين اتفق السلف على تكفيرهم، ولا خلاص لهم عن أحد هذين الإلزامين إلا بالتزام مذهب أهل السنة والجماعة من أن أفعال الله لا تدخل تحت شرائع عقولهم القاصرة ولا تقاس بأفعالهم الخاسرة، بل أفعاله تعالى لا تشبه أفعال خلقه، ولا صفاته صفاتهم، ولا ذاته ذواتهم .. إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .... انتهى
فالله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو الذي يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.
والله أعلم.
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=27317&Option=FatwaId
¥