الملك بن مروان أمر عبد الملك بأن يعاد البيت كما كان فأعادوه إلى هذه الكيفية الموجودة الآن.
ولما جاء أبو جعفر المنصور – الخليفة العباسي - استشار الأئمة وعلى رأسهم الإمام مالك عليهم رحمة الله في أن يعيد البيت كما فعله عبد الله بن الزبير فقال الإمام مالك: الله الله يا أمير المؤمنين في هذا البيت ألا يصبح ألعوبة بأيدي الحكام كل واحد يأتي ينقضه من أجل أهواء سياسية، عبد الله بن الزبير أصاب السنة فمن أجل أن يخالفه بنو أمية نقضوا البيت، فأنت الآن ستخالفهم وتعيد البيت نكاية ببني أمية، فيأتي حاكم بعد ذلك نكاية بك ينقضه، فيصبح البيت ملعبة، فاتركه على شاكلته.
الشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم نائماً في الحجر في الحطيم فجاءه ملكان وأخرجاه إلى باب المسجد وبدأت رحلة الإسراء والمعراج، هذه الأمور الأربعة المسجد الحرام والحجر وشعب أبي طالب وبيته كلها يشملها المسجد الحرام.
(إلى المسجد الأقصى) هو بيت المقدس المعروف والموجود في بلاد الشام في فلسطين وسمي بالأقصى وهو الأبعد لأنه لم يكن على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا مسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والمسجد الأقصى بالنسبة للمسجد الحرام بعيد المسافة، كما قال المشركون خمسة عشر يوماً ذهاباًً وخمسة عشر يوماً إياباً فيحتاج من يسافر إليه شهراً كاملاً ذهاباً وإياباً، فقيل الأقصى أي الأبعد مسافة لأنه هو أبعد مسجد عن مكة وما كان على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا هذين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن له وجود لأنه حصل بعد الهجرة وسيأتينا أن حادثة الإسراء والمعراج كانت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله.
إذن المسجد الأقصى قيل له: أقصى لبعد المسافة بيه وبين مكة.
والمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين). بكة ومكة اسمان مترادفان، سميت بكة ومكة لأنها تبك وتمك رؤوس الجبابرة وتقسم ظهورهم وما أحد أرادها بسوء إلا عاجله الله بالعقوبة.
بك هو قطع العنق ودقه، وهكذا المك، بك ومك، وسميت ببكة وبمكة مأخوذ من المك يقال: إذا خرجت أمعاؤه ونفسه وروحه من كثرة الزحام، ولما يحصل فيها أيضاً زحام حول الطواف عند اجتماع الناس من كل فج عميق.
فإذن قيل لها مكة وبكة لحصول الزحام فيها ولعقوبة الله لكل من أرادها بسوء.
والمسجد الحرام بمكة هو أول بيت وضع للناس يليه المسجد الأقصى، وبينهما أربعون عاماً كما ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر، ولا يشكلن عليك هذا الدليل وإياك أن تقول إن أول من بنى بيت الله الحرام إبراهيم وأول من بنى بيت المقدس داود فليس الأمر كذلك. أول من بنى المسجد الحرام الملائكة ثم بنت بيت المقدس بعده بأربعين عاماً.
وهناك قول ثانٍ ولا يصح غير هذين القولين، أول من بنى المسجد الحرام آدم وآدم حج إلى بيت الله الحرام قطعاً وجزماً وهكذا جميع أنبياء الله ورسله كلهم حجوا بيت الله الحرام.
والبيت المعمور في السموات بعد ذلك هذا على حيال وعلى اتجاه الكعبة التي في الأرض تماماً، وهذا البيت – المسجد الحرام – كان موجود من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، كان يحجه ويزوره وآدم زار البيت وحج واعتمر وهكذا جميع أنبياء الله ورسله ثم بعض بنى آدم بنى المسجد الأقصى وكان بينهما أربعون عاماً هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم ونص الحديث: [أول مسجد بنى المسجد الحرام قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً].
فقيل له أقصى لأن مسافته بعيدة عن المسجد الحرام.
(الذي باركنا حوله)
البركة هي: ثبوت الخير للشيء والله جعل بركات عظيمة حول المسجد الأقصى هذه البركات شاملة لبركات الدين والدنيا.
أما الدين فهي مكان بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، في بلاد الشام.
وأما الدنيا فما فيها من الخيرات والزروع والثمار لا يوجد في الأرض له مثيل ونظير، فالخيرات فيها عظيمة فيما يتعلق بخيرات الدين وفيما يتعلق بخيرات الدنيا.
(باركنا حوله)
¥