تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ديناً ودنيا ولذلك اعتبر نبينا عليه الصلاة والسلام أصول الفساد في بلاد الشام علامة على فساد سائر البلدان لأن المكان المبارك إذا فسد فغيره أفسد؛ ثبت في صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن قرة بن إياس – والحديث حسنه الترمذي وصححه ا بن حبان – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم] وأهل الشام الآن أخبث من الشيطان إلا من رحم ربه وقليل ما هم، ولذلك فالبشرية فيها هذا البلاء والغثاء والضلال لأن الخيار فسدوا فكيف سيكون حال الأشرار؟! المكان الذي بارك الله فيه ضل وزاغ فكيف سيكون حال الأمكنة الأخرى؟!

وحديث الصحيحين عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة [وأنه لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله قال: وهم بالشام ظاهرون] فإذن بركة الدين والدنيا، ونزول عيسي على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه في آخر الزمان سيكون في بلاد الشام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب المسيح الدجال عليه و على جميع الدجاجلة لعنة الله وغضبه فيقتله بباب لد في فلسطين، فإذا رآه الدجال إنماع كما ينماع الملح في الماء فيقول: اخسأ عدو الله فإن لك ضربة لن تخطأك فيضربه عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيقتله.

وليقرر إليه هذه البركة على أتم وجه أتى بأسلوب مقرر في البلاغة وهو أسلوب الالتفات وهو نقل المخاطب من هيئة إِلى هيئة ومن صيغة إلى صيغة، فمثلاً: يكون يتحدث في حال الحضور فينتقل إلى الغيبة ويكون في حال الإفراد فينتقل إلى الجمع، ويكون في حال غيبة فينتقل إلى حضور وهكذا، فيغير في أسلوب الكلام من أجل أن يلفت الأذهان ويشحذها وأن هذا أمر عظيم ينبغي أن تقفوا عنده، فأين الالتفات في الآية؟

المُخاطِبُ هو الله – سبحانه - غير في الكلام، فكان الكلام على صيغة (سبحان الذي أسرى) وأسرى غيبة، (أسرى بعبده) فلم يقل أسريت بعبدي، ولم يقل: سبحاني أسريت بعبدي، أو سبحاننا أسرينا بعبدنا على وجه التعظيم – من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، إذ أصل الكلام أن يقول: سبحاننا أسرينا بعبدنا ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله فتكون باركنا مثل سبحاننا وأسرينا وعبدنا، لكن قال تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده) على جهة الغيبة ثم قال (ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فلو أراد أن يكون الكلام متفقاً مع الغيبة لقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته إنه هو السميع البصير إذن فالمتكلم نقل كلامه من غيبة إلى حضور ومن جهة إلى جهة. وغرضه الأصلي أن يشحذ الذهن وأن يشد الانتباه لمضمون الكلام لئلا يحصل ملل وسآمة من مجيء الكلام على صورة واحدة، ثم للتنبيه وهنا فائدة خاصة أيضاً، أما غرض الالتفات العام شحذ الأذهان وجلب الانتباه ثم في كل مكان له غرض خاص، فما هو الغرض الخاص هنا؟ للإشارة إلى عظيم تلك البركات الموجودة حول المسجد الأقصى فلأجل أن يقرر تلك البركات وكثرتها ونفعها نقل الكلام من هيئة إلى هيئة، شحذ الذهن ثم قرر تلك البركات، يدل على هذا: أنه أتى بنون التعظيم التي يعظم بها ربنا نفسه كأنه يقول: العظيم لا يفعل إلا أمراً عظيماً، وهناك بركات جسيمة جعلتها حول المسجد الأقصى.

وهذا المسجد الأقصى الذي فرطنا فيه وفرطنا في بلاد الإسلام كلها بل فرطنا في الإسلام وما أقمنا وزناً للرحمن ولا لنبينا عليه الصلاة والسلام.

(لنريه من آياتنا)

الآيات العظيمة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تأتي الإشارة إليها إن شاء الله ضمن مبحث خاص فيما حصل له قبل إسرائه، وعند إسرائه عليه الصلاة والسلام ولا زال في الأرض وعندما عرج به في السموات وعندما رقي إلى ما فوق السموات، فهذه الآيات الأربع سنتكلم عنها إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير