تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[علو الرحمن ونقيضة العقل ..]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[14 - 12 - 08, 01:26 ص]ـ

زعم الأشاعرة أن العلو-الحقيقي- للرحمن محال عقلا، ومن ثم وجب المصير إلى التأويل ... وسنحاول بإذن الله أن نثبت لهم أن المحال الذي فروا منه هم ملاقوه شاؤوا أم أبوا .. فإن كان عندهم فهم السلف للاستواء محالا فإن إنكارهم لهذا الفهم يلزم عنه محال أوضح في العقل ... وهذا بيان ذلك:

هم يقولون:

"الله ليس داخل العالم ولا خارجه"

فلنحلل هذه العبارة:

"الداخل" و"الخارج" متضايفان أعني هما أمران وجوديّان لا يعقل أحدهما إلّا مع تعقّل الآخر، مثل البنوة والابوة .. فلا يقال أب إلا وثمة ابن ولا يقال ابن إلا وثمة أب ... ومحال أن يدرك العقل معنى أب إن لم يكن عنده تصور عن ابن .. وكذلك لا "داخل" معقول من غير فكرة عن مقابله" خارج" ...

فكوننا نعقل أنفسنا داخل العالم يلزم عنه وجود ”خارج ما" بالضرورة ...

والأشاعرة لا ينفون هذا المعنى .. لكنهم ينفون أن يكون في هذا الخارج رب ... لأن وجوده في هذا الخارج لا ينفك عن لازم هو التحيز .. وثبوت التحيز دليل على الجسمية .. والجسمية دليل على الحدوث ... والرب لا يجوز أن يكون حادثا باتفاق كل العقلاء ... فرب مستو على العرش جمع بين نقيضين فقولنا "رب" يفهم منه أنه غير مخلوق وقولنا " مستو" يلزم عنه أنه مخلوق!!

وحفاظا على العقل، لا بد من تأويل نصوص العلو والاستواء بمعاني لا تتناقض .. ويعتبرون غير ذلك حشوا في الفكر وتجديفا في العقل ...

هذه عقيدة الأشاعرة في الاستواء ... فهل سلم لهم العقل بعد تأويل النقل؟ أم فروا من محال ووقعوا في محال آخر ... !

هذا الخارج الذي لا يوجد فيه رب .. كيف يتصورونه .. ؟ لأنه لا يعقل أن يصدر عنهم حكم " ليس في الخارج رب" دون ان يكون عندهم تصور قبلي لعناصر القضية ومنها عنصر"الخارج" ..

هذا الخارج هل هو فضاء أو فراغ ممتد لا إلى لا نهاية أم له حد؟

لنفرض أننا وصلنا إلى سقف العالم (كيفما كان تخيلنا للعالم مثل علبة مكعبة أو مثل كرة مستديرة أو غير ذلك من الاشكال الهندسية) فلا بد من تصور جهة الفوقية فوق رؤوسنا كما نتصور السفلية تحت أقدامنا ... فهذه الجهة تتناهى أم لا تتناهى؟

لا يمكن أن نجد جوابا عند الأشعري يرضاه ..

لأنه إن قال بالتناهي لزمه التسلسل المفضي إلى ما فر منه من اللا تناهي ... أو التحكم المحض ..

وإن قال بللاتناهي ... لزمه محال باعتباره متألها يعتقد أن العالم مخلوق ... ولا يمكن أن يكون في المخلوقات موجودا لا يتناهى .. لأن العقل لا يتصور ما لا نهاية له يدخل إلى الوجود ...

ليس للأشعري إلا ثلاثة أجوبة:

1 - جواب-على طريقة أبي حامد الغزالي- في أن لا نهائية المكان من اختراع القوة الواهمة فقط ..

2 - جواب عمانويل كانط .. أن المكان صورة ذهنية فهو اعتباري وليس خارجيا ..

3 - جواب ثالث هو أن الفوقية جهة عدمية ..

أما جواب الغزالي فلا يشفي غليلا .. ولا ينتفع به أشعري من الأشاعرة لأنه سيقال له وكذلك تصورك للتحيز والجسمية في استواء الرحمن على العرش من اختراع الوهم وليس من شأن العقل!!

أما كانط فمذهبه في الزمان والمكان أنهما صورتان قبليتان موجودتان في بنية العقل لينظم بهما العالم .. وإذا شئنا الاستظراف قلنا عند كانط نحن لا نوجد في مكان بل المكان هو الذي يوجد فينا!!!

فالمكان اعتباري لا وجودي .. أعني أن وجوده مشروط بوجود المعتبر أي العقل .. فقبل خلق العقل لا مكان، ولو ذهب العقل فسيمحو معه اعتباره للمكان ..

وما قال كانط باعتبارية المكان إلا فزعا من شبح اللانهائية في الخارج ...

إن كان قول كانط صحيحا فاستواء الرحمن غير محال فالمكان يخترعه العقل اختراعا والأمور الاعتبارية لا تاثير لها في المخلوقات فضلا على أن تؤثر في الخالق!!

فلو لبثت ملايين السنين أعتبر النار ماء فلن أتوضأ بالنار في يوم ماـ ولو اعتبر معي كل الناس .... لكن مكانا اعتباريا يجعل الرحمن جسما ومتحيزا فهذا هو التجديف في العقل ..

أما اعتبار الجهة عدمية فهو مساو لعدمية الجهة ... فعندما نقول استوى الرحمن على العرش فوق العالم فلم يبحثون عن لوازم لا تلزم .. فليس ثمة جهة فلم يقدرون لوازمها من التحيز والحركة والجسمية والتركيب ... أعني يفترضون عدم الشيء ومع ذلك يلزمون الناس بآثار وجودية لذلك العدم فمن يمارس الحشو إن كنتم صادقين!! ...

خلاصة المعضلة أن العقل هنا يعتريه ما سماه كانط بنقيضة العقل الخالص ... ولا حل إلا مذهب السلف:الإيمان بالاستواء من غير نظر إلى اللوازم العقلية فالعقل ليس هذا مجاله، ومن غير حذلقة في النظر" لو كان كذا لكان كذا ... "فإن أسماء الله وصفاته ليست "سينات" و"صادات "تلوكها الافتراضات الرياضية ...

رحم الله الجنيد كم كان بصيرا عندما قال:"أقل شيء في الكلام أنه يذهب هيبة الرب من القلوب"

ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[14 - 12 - 08, 12:00 م]ـ

بارك الله بكم على هذه الفائدة أخانا الحبيب أبو عبدالمعز ...

في نقاش دار بيني وبين أحد الأشاعرة "الظرفاء"، وحين كنت ألزمه بمسألة محدودية المكان وأن كون الله فوق العرش لا يلزم منه اللوازم التي يوردها الأشاعرة ...

سألته: ماذا يوجد فوق العرش؟

قال: لوحة مكتوب عليها "إن رحمتي سبقت غضبي"

قلت: وفوقها؟

قال: الملائكة الكروبيون

قلت: وفوقهم؟

فجأة انقلب صاحبنا سلفيا وأجابني: نقف حيث وقف الكتاب والسنة!

ورفض الإجابة ...

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير