تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اختلف المثبتون للنزول هل يلزم منه خلو العرش منه أم لا، ونحن نشير إلى ذلك إشارة مختصرة فنقول: قالت طائفة: لا يلزم منه خلو العرش، بل ينزل إلى سماء الدنيا وهو فوق العرش، قالوا وكذلك كلم موسى من الشجرة وهو فوق عرشه وكذلك يحاسب الناس يوم القيامة، ويجيء ويأتي وينطلق وهو فوق العرش، لأنه سبحانه أكبر من كل شيء، كما دل عليه السمع والعقل،وهو العلي العظيم،فلا يزال سبحانه علياً على المخلوقات كلها العرش وغيره في كل وقت، وفي كل حال من نزول وإتيان وقرب وغير ذلك، فلو خلا منه العرش حال نزوله لكان فوقه شيء، وكان غير عال وهذا ممتنع في حقه سبحانه، لأن علوه من لوازم ذاته فلا يكون غير عال أبداً، ولا يكون فوقه شيء أصلاً.

وقالت طائفة أخرى: بل خلوا العرش منه من لوازم نزوله، فتقول: ينزل إلى سماء الدنيا ويخلو منه العشر إذا نزل، لأن النزول الحقيقي يستلزم ذلك، والقول بإثبات النزول معكونه فوق العرش غير معقول، وكذلك القول بأنه يحاسب الناس يوم القيامة في الأرض، وأنه يجيء ويقبل ويأتي وينطلق ويتبعونه، وأنه يمر أمامهم، وأنه يطوف في الأرض ويهبط عن عرضه إلى كرسيه، أو غيره، ثم يرتفع إلى عرشه كما ورد هذا كله في الحديث، وأنه كلم موسى عليه السلام من الشجرة حقيقة، وهو مع ذلك كله فوق عرشه أملا يتصوره العقل، ولم يدل عليه النقل فيجب القول به والانقياد له، بل هو شيء لا يخطر ببال من سمع الأحاديث في ذلك وكان سليم الفطرة إلا أنه يوافقه عليه من يعتقد فيقرره في ذهنه.

وقد علم أن نزول الرب تبارك وتعالى أمر معلوم معقول كاستوائه وباقي صفاته، وأن كانت الكيفية مجهولة غير معقولة، وهو ثابت حتى حقيقة لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، وما لزم الحق فهو عين الحق.

قال هؤلاء: ونحن أقرب إلى الحق وأولى بالصواب ممن خالفنا، لأننا قلنا بالنصوص كلها، ولم نرد منها شيئاً ولم نتأوله، بل أثبتنا نزول الرب تبارك وتعالى حقيقة مع إقرارنا بأنه العلي العظيم الكبير المتعال، فلا شيء أعلى منه، ولا أعظم منه ولا إله غيره ولا رب سواه هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وكونه علياً عظيماً لا ينافي نزوله حقيقة عند من عقل معنى النصين وفهم معنى الخبرين، قالوا: فنحن قلنا بموجب النصين العلو والنزول.

وأما مخالفتنا القائل بأنه ينزل ولا يخلو منه العرش فحقيقة قوله إما نفي معنى النزول بالكلية، وإثبات مجرد لفظه، وإما حمله له على أمر لا يعقل أصلاً، وأما تفسيره بما يخالف ظاهر اللفظ وحقيقته وهو القول بنزول بعض الذات.

ثم إنه يرد على قائل هذا ما أورده علينا من أنه يبقى شيء من المخلوقات فوق بعض الذات، وذلك ينافي العلو المطلق الذي هو من لوازم ذاته، فمخالفتنا يلزمه أمران:

أحدهما: ما أورده علينا.

والآخر: مخالفته اللفظ وحمله (له) على المجاز دون الحقيقة من غير دليل، ونحن لا يلزمنا محذور أصلاً، فإنا جمعنا بين نصوص الكتاب والسنة وقلنا بها كلها وحملناها على الحقيقة دون المجاز لم نتأول منها شيئاً برأينا ولا صرفنا منها شيئاً عن ظاهر بعقلنا.

قالت الطائفة الأولى القائلة بعدم الخلو: بل نحن أولى بالحق منكم، فإنا نحن القائلون بالنصوص كلها الجامعون بين الأدلة العقلية والسمعية.

وأما أنتم فيلزمكم مخالفة ما ورد من نصوص العظمة، وأن يكون المخلوق محيطاً بالخالق، وما ذكرتموه من استلزم النزول بخلو العرش هو عين الجهل، وإنما ذلك لازم في نزول المخلوق والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته،ولا في أفعاله، وهو العالي في دنوه، القريب في علو، ليس فوقه شيء ولا دونه شيء بل هو العالي على جميع خلقه في حال نزوله، وفي غير حال نزوله، وهو الواسع العليم، أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء،وهو المحيط بكل شيء ولا يحيط به شيء ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يده إلا كخردلة في يد أحدكم، وهو الموصوف بالعلو المطلق، ولم يزل عالياً ولا يكون إلا عالياً سبحانه وتعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير