بل الأمر إلزام من الخصوم .. وهو إلزام صحيح لأنهم يرون المصحح للرؤية هو الوجود .. فالبقة الصغيرة موجودة فهي ترى من أي مسافة وتحت أي ظرف ... والأشاعرة لما ذكروا هذا ذكروه للرد عليه .. فمتى كانت الإلزامات العقلية توثق أيها الناس ويبحث لها عن مصادر!!!
أما اختباؤه خلف الإمكان العقلي فذكرني بقول جرير:
كأن الفرزدق إذ يعوذ بخاله ... مثل الذليل يعود تحت القرمل
والرد عليه في كلام شيخ الإسلام من مصنفه الفريد درء التعارض .. إذ يفرق بين الإمكان في المنهج القرآني والإمكان في المنهج الكلامي ... وهو كلام نفيس يعض عليه بالنواجذ موجه لمن لم يك ذا فم مر مريض كما قال أبو مالك العوضي ....
قال الشيخ:
"ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد ـ والعلم به تابع للعلم بإمكانه فإن الممتنع لا يجوز أن يكون ـ بين سبحانه إمكانه أتم بيان ولم يسلك في ذلك ما يسلكه طوائف من أهل الكلام حيث يثبتون الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني فيقولون: هذا ممكن لأنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال فإن الشأن في هذه المقدمة فمن أين يعلم أنه لا يلزم من تقدير وجوده محال؟ فإن هذه قضية كلية سالبة فلا بد من العلم بعموم هذا النفي
وما يحتج به بعضهم على أن هذا ممكن بأنا لا نعلم امتناعه كما نعلم امتناع الأمور الظاهر امتناعها مثل كون الجسم متحركا ساكنا فهذا كاحتجاج بعضهم على أنها ليست بديهية بأن غيرها من البديهيات أجلى منها وهذه حجة ضعيفة لأن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه جزم العقل به والمتصوران قد يكونان خفيين فالقضايا تتفاوت في الجلاء والخفاء لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت الأذهان وذلك لا يقدح في كونها ضرورية ولا يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكنا بل قول هؤلاء أضعف لأن الشيء قد يكون ممتنعا لأمور خفية لازمة له فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم أو عدم لزومها لا يمكن الجزم بإمكانه والمحال هنا أعلم من المحال لذاته أو لغيره والإمكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع ولا معلوم الإمكان الخارجي وهذا هو الإمكان الذهني فإن الله سبحانه وتعالي لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره ن وإن لم يعلم الذهن امتناعه بخلاف الإمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا
والإنسان يعلم الإمكان الخارجي: تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره وتارة تعلمه بوجود ما الشيء أولي بالوجود منه فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولي بالإمكان منه ثم إنه إذا تبين كون الشيء ممكنا فلا بد من بيان قدرة الرب عليه وإلا فمجرد العلم بإمكانه لا يكفي في إمكان وقوعه إن لم يعلم قدرة الرب على ذلك فبين سبحانه هذا كله بمثل قوله {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا} الإسراء: [99] وقوله: {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم} يس: [81] قوله {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير} الأحقاف: [33] وقوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} غافر: [57] فإنه من المعلوم ببداهة العقول أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم والقدرة عليه أبلغ وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك ... "
ـ[أبو البركات]ــــــــ[23 - 12 - 08, 06:33 م]ـ
عرض رائع وممتع يكشف لنا تخبط هذه الفرقة، نحن نتابع مواضيعك بكل إهتمام جزاك الله خير
ـ[فيصل]ــــــــ[24 - 12 - 08, 12:48 ص]ـ
بارك الله بك على مواضيعك الرائعة استمر بارك الله فيك
بالنسبة لمسألة رؤية أعمى الصين بقة الأندلس! فقد صرح به بعض أئمتهم فهذا العلامة العصام-بحسب وصفهم- في شرحه لشرح العقائد النسفية ص94 ط الأزهرية يقول:
((قوله"والجواب منع هذا الاشتراط" إما مطلقاً بناء على أن الأشاعرة جوزوا رؤية ما لا يكون مقابلاً ولا في حكمه من المرئي في المرئي بل جوزوا رؤية أعمى الصين بقة الأندلس)) انتهى
وأيضاً الجرجاني في شرحه على المواقف8/ 155 يقول:
(("إما مطلقاً كما مر"من أن الأشاعرة جوزوا رؤية ما لا يكون مقابلاً ولا في حكمه بل جوزوا رؤية أعمى الصين بقة أندلس)) انتهى وهذا الشرح مشهور متداول فهذا يبين قلة إطلاع الشيخ الإدلبي هداه الله.
وكذا صنع الكرماني في شرحه على البخاري -نقلاً عن الشيخ الخضير- صفحة (106) من الجزء الرابع والعشرين حيث يقول: "يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس ولا يرى ما حولها". وغيرهم.
وقد بين تهافت كلامهم هذا الشيخ الخميس في كتابه حوار مع أشعري ص104 وبين أن هذه الرؤية للأعمى ليست رؤية حقيقية معروفة عند الناس وذكر أن الأعمى لا بصر له أصلاً والمطلوب رؤية بصرية حقيقية وقد بين أن القوم اعترفوا بأن هذه الرؤية قلبية ونوعاً من العلم بالقلب ونقل هذا عنهم.
وأضيف أن من آفاتهم أنهم نفاة للأسباب فلا فرق عندهم في وجود العين وسلامتها وقوة نظرها أو وجود "تمرة" مكانها! بل العين وجودها كعدمها لكن المسألة مسألة "عادة" الخلق عندها! ولاحول ولا قوة إلا بالله.
¥