والمقصود أن التوكل على غير الله تعالى، والركون إلى أعداء الله - تعالى - لا يخلِّف إلا الفشل والاندحار؛ فما لم يكن بالله لا يكون، وما لم يكن لن ينفع ولا يدوم، والله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين.
وأحدث زنادقة المتصوفة الحج إلى ضريح أحمدو بامبا في السنغال، ويسمّون تلك البلدة «مكة الإفريقية»، ويقال: إن عدد الحجاج خلال العام المنصرم بلغ مليون حاج [12]!
كما أحدثوا الحج إلى كازاخستان، وسمّوه الحج الأصغر! وأطلقوا عليه: مكة الثانية، وعللوا الحج إلى تركستان لأجل مشقة الحج إلى مكة وكثرة النفقة [13]!
هذه الزندقة البشعة امتداد لزندقة الحلاّج، إذ زعم أن من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتاً ويطوف به كما يطوف ببيت الله الحرام، ويتصدَّق على ثلاثين يتيماً .. وقد أجزأه ذلك عن الحج، فاتفق العلماء على وجوب قتله، فقُتل بسيف الشرع سنة بضع وثلاثمائة من الهجرة [14].
كما أنها زندقة تضاهي زندقة الروافض في الحج إلى قبر الحسين، وتفضيل كربلاء على الكعبة، وأن زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام [15].
إن المكر الكُبَّار من أجل حيلولة الأمة عن بيت الله الحرام، والسعي إلى تفريق اجتماعها، وصرف القلوب عن مهوى أفئدة المسلمين، وأفضل البقاع على الإطلاق:
لا يرجع الطرفُ عنها حين ينظرُها
حتى يعودَ إليها الطرفُ مشتاقا
واتباع الشهوات والاستمتاع بالقاذورات والانفلات من اتِّباع الشرائع؛ هو ضربة لازب لا تفارق موالد الصوفية واحتفالاتهم، فضريح (ابن حمدوش) في المغرب حافل بالدعارة والفواحش والشذوذ [16] .. وضريح (أبي حصيرة) في مصر يشهده اليهود ويعمر بالرذائل والفجور [17]، والاحتفاء بالرقص والتعبد بالغناء والتمايل والقفز هو سبيلهم للتعريف بالإسلام في الغرب!
وقال أبو الوفاء ابن عقيل: (نص القرآن على النهي عن الرقص؛ فقال - عز وجل -: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 73]، وذمَّ المختال؛ فقال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 81]، والرقص أشد المرح والبطر .. وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص، فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفِّق على وقاع الألحان والقضبان؛ خصوصاً إذا كانت أصوات نسوان ومردان؟! وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائر أن يشمس [18] بالرقص كشمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة؟!) [19].
إن هذا الصحو العارض للمتصوفة سيعقبه - بإذن الله تعالى - محو واندراس، فإن الله - تعالى - إذا أراد قطع بدعة أظهرها [20].
ومن أسباب ظهور الحق ظهور المعارضين له [21]. وإن تربية الأمة على توحيد الله تعالى، والاعتصام بنصوص الوحيين، وتعظيم الشريعة واتِّباعها، وتحرير العقول من رقِّ الخرافة واستعباد شيوخ الطرقية، وهتك أستار التصوف، وكشف حمقه وسفهه، وبيان حكم الله - تعالى- في زنادقة المتصوفة .. كل ذلك ونحوه سبيل لمحوه وانقشاعه.
قال القاسم بن أحمد (ت 1217هـ):
فدع التصوفَ واثقاً بحقيقة
واحرصْ ولا يغررك لمعُ سرابهِ
للقوم تعبيرٌ به تسبى النُّهَى
طرباً وتثني الصّب عن أحبابهِ
فيرون حق الغير غيرَ محرم
بل يزعمون بأنهم أَوْلى بهِ
لبسوا المدارعَ واستراحوا جرأة
عن أمر باريهم وعن إيجابهِ
خرجوا عن الإسلام ثم تمسكوا
بتصوف فتستَّروا بحجابهِ
فأولئك القوم الذين جهادُهم
فرضٌ فلا يعدوك نيل ثوابهِ [22]
(*) الصحو والمحو من مصطلحات الصوفية، فالصحوة عندهم هو الرجوع إلى الإحساس بعد الغيبة والسُّكْر، والمحو غيبة العقل وذهوله! (ينظر: معجم الصوفية، لممدوح الزوبي، ص 242،372). والمقصود به ها هنا: صحوة التصوف من الرقاد والزوايا، وما يتبعه من محو وانطماس بعون الله - تعالى - وتوفيقه، فالعاقبة للتقوى.
[1] انظر تفصيل ذلك في كتاب: التصوف بين التمكين والمواجهة، لمحمد بن عبد الله? المقدي.
[2] صوفية الأرزاق هم الذين يقتاتون من الأوقاف، والأسوأ من ذلك الذين? يقتاتون من سفارات الغرب والأنظمة المستبدة، وقد حكى محمد رشيد رضا - رحمه الله - أن أحد النقشبندية سئل عن سبب اختلاف أصحاب هذه الطرائق في عمائمهم وأورادهم مع دعواهم أن الغرض من سلوك كل طريقة منها معرفة الله - تعالى - وعبادته، قال: (تغيير شكل لأجل الأكل)! (فتاوى محمد رشيد رضا: 6/ 2418).