ما رصيدها في العالم الذي تجتاحه القوميات من جانب، والعصبيات العرقية والدينية والسياسية والاجتماعية من كل جانب؟
فلنأخذ مثالا واحد من العالم المعاصر .. من المعاملة التي يلقاها المسلمون في كل مكان في الأرض يقعون فيه في حوزة غير المسلمين، أو في دائرة نفوذهم من قريب أو من بعيد ..
فلننظر إلى " الإنسانية " التي يعاملون بها و "السماحة" التي يقابلون بها، " وسعة الصدر " و " حب الخير " الذي ينهال عليهم من كل مكان!
هذه فلسطين ظلت أربعة عشر قرنا من الزمان أرضا إسلامية .. ثم جاء اليهود ليقيموا عليه دولة يهودية .. ولم يستنكر أحد من " الإنسانيين " طرد السكان الأصليين وإجلاءهم عن أرضهم بالقنابل والمدافع، بل بشق بطون الحوامل والتلهي بالتراهن على نوع الجنين كما فعلت العصابات اليهودية التي كان رأس إحداهما مناحم بيجن .. وإنما استنكرت من المسلمين أن يطالبوا بأرضهم، وألا يخلوها عن طيب خاطر للغاصبين!
ويطول الأمر بنا لو رحنا نستعرض أحوال المسلمين الواقعين في قبضة المسلمين، أو الذين يتعرضون لعدوان غير المسلمين في كل مكان في الأرض .. في روسيا الشيوعية التي قتلت ما يقرب من أربعة ملايين من المسلمين وفي يوغسلافيا التي قتلت ثلاثة أرباع مليون منهم وفي أفغانستان التي تستخدم فيها الأسلحة المحرمة "دوليا "و "قانونيا " و" إنسانيا! - ومثل ذلك في العراق والصومال- " ووفي أوغندا،وفي تنزانيا، وفي .. وفي .. وفي .. وفي ..
فما بال " الإنسانيين " ما بالهم لا يتحركون؟! ما بالهم لا يصرخون في وجه الظلم الكافر الذي لا قلب له ولا ضمير؟!
إنما توجه دعوى " الإنسانية " فقط ضد أصحاب الدين!
فمن كان متمسكا بدينه فهو " المتعصب " "ضيق الأفق " الذي يفرق بين البشر على أساس الدين، ولا يتسع قلبه " للإنسانية " فيتعامل معها بلا حواجز في القلب أو في الفكر أو في السلوك!
أو قل على وجه التحديد إن الذين يحاربون اليوم بدعوى " الإنسانية " هم المسلمون!
يحاربون بها من طريقين، أو من أجل هدفين
الهدف الأول: هو إزالة استعلاء المسلم الحق بإيمانه الناشئ من إحساسه بالتميز عن الجاهلية المحيطة به في كل الأرض وهدم عقيدة الولاء والبراء، لكي تنبهم شخصيته وتتميع.
والهدف الثاني: هو إزالة روح الجهاد من قلبه .. ليطمئن الأعداء ويستريحوا!! ...
فباسم الإنسانية يقال للمسلم الحق: يا أخي لا تعتزل الناس! إن الإنسانية كلها أسرة واحدة،فتعامل مع الأسرة كفرد منها، ولا تميز نفسك عنها! وشارك في النشاط " الإنساني" و مظاهر الحضارة الإنسانية .. تلك هي القضية! إن تمسك المسلم بإسلامه شيء يغيظ الأعداء الإسلام بصورة جنونية .. ولا يهدأ لهم بال حتى يذهبوا عنه ذلك التمسك ويميعوه ومن وسائل ذلك كما أسلفنا دعوى الإنسانية والعالمية فإذا تميع بالفعل،ولم تعد له سمته المميزة له، احتقروه كما احتقرت أوربا الأتراك بعد أن أزال أتاتورك إسلامهم و" فرنجهم "و " غربهم "! بينما يقول أحد المبشرين في كتاب " الغارة في العالم الإسلامي " إن أوربا كانت تفزع من" الرجل المريض " (وهو مريض) لأن وراءه ثلاثمائة مليون من البشر مستعدون أن يقاتلوا بإشارة من يده وهذا النص الأخير يدخل بنا إلى النقطة الثانية أو الهدف الثاني من استخدام دعوى " الإنسانية " في محاربة المسلمين.
إن أشد ما يخشاه أعداء الإسلام من الإسلام هو روح الجهاد الكامنة فيه! ...
(ودعوى الإنسانية) من أسلحة الحرب الموجهة ضد روح الجهاد عند المسلمين.
يا أخي! لقد تغيرت الدنيا! لا تتكلم عن الجهاد! ّ أو إن كنت لا بد فاعلا فتكلم عن الجهاد الدفاعي فحسب! ولا تتكلم عنه إلا في أضيق الحدود! فهذا الذي يتناسب اليوم مع " الإنسانية المتحضرة"! لقد كانت للجهاد ظروف تاريخية وانقضت! أما اليوم فقد أصبحت الإنسانية أسرة واحدة! وهناك قانون دولي وهيئات دولية تنظر في حقك وتحل قضاياك بالطرق " الدبلوماسية"! فإذا فشلت تلك الهيئات في رد حقك المغتصب فعندئذ لك أن تقاتل دون حقك ولكن لا تسمه جهادا! .. فالجهاد قد مضى وقته! وإنما سمه دفاعا عن حقوقك المشروعة!!
¥