الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) فإن شجرة الزقوم فتنة ووجه كونها فتنة: قال المشركون: يا محمد أنت تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم، فهل بدأت تهذي تخرف، كيف تنبت الأشجار في وسط النار، والنار تحرق الأشجار، أفليست هذه فتنة؟!!.
إخوتي الكرام .... هذه نار الدنيا تحرق الأشجار من طبيعة خاصة وإذا أراد الله أن ينبت في نار الدنيا شجراً فإنه على كل شيء قدير. (قصة القسيس مع الشيخ الحلبي الصالح لما وضع جبته داخل جبته وألقاها في فرن فاحترقت جبة القسيس ولم تحترق جبة الشيخ الصالح إلخ).
حقيقة إن هذه القوانين التي وضعها الله سبحانه لتتحكم في هذا الكون لا نستطيع أن نخرج نحن عنها، لكن إذا أراد الله تعالى أن يبطلها فهو على كل شيء قدير، فالنار المحرقة يجعلها ظلاً بارداً والظل البارد يجعله الله سموماً محرقاً فإنه على كل شيء قدير.
وإذا أراد الله أن يجعل الارتواء والري في البترول فإذا شربته ترتوي ويذهب الظمأ ويجعل العطش في الماء فهو على كل شيء قدير، أي فهل الماء بطبيعته يروي الإنسان؟ لا بل جعل الله فيه هذه الخاصة، فإذا أبطلها فإنه على كل شيء قدير.
هذا اللسان هل يتكلم وحده، أم جعل الله فيه هذه الخاصية؟ بل جعل الله فيه هذه الخاصية ولذلك إذا أراد أن يُنْطق يدك، فهل تنطق اليد؟ نعم (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون)، (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم)، والذي أنطق اللسان ينطق اليد وينطق الرجل وتشهد الجلود كما أخبر ربنا المعبود سبحانه وتعالى، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك، فأنا لا أستطيع أن أُنطق يدك فأقول لليد تكلمي فلا تتكلم. إنطاق اليد وإنطاق اللسان بالنسبة لقدرته سواء، أُذِنَ لِلِّسان فنطق، فإذا أذن لليد بالنطق نطقت.
والأرض يوم القيامة ماذا يكون حالها (يومئذ تحدث أخبارها) ثبت في المستدرك وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر] فالأرض هذه ستشهد عليك، ولا تقل كيف ستتكلم الأرض، إذ كيف تكلم لسانك؟ فكم من إنسان له لسان ولا يستطيع أن يتكلم به أي أخرس، هل لسانه أقصر من لساننا أو أطول أو شكله مختلف؟ لا بل هو هو ولكن ما أذن الله له بالنطق، فهو على كل شيء قدير.
ولذلك أنت يا ابن آدم تتكلم بلحم وتسمع بعظم وتبصر بشحم والله على كل شيء قدير.
فالعين مادة شحمية، والأذن عظام متجوفة بواسطتها تنتقل إليك ذبذبات الأصوات وتسمع، فإذا ابتلى الله إنساناً بالصمم فهل يستطيع أن يسمع؟ لا مع أن له أذناً.
وإذا أفقد الله النور من البصر فلا يستطيع أن يرى مع أن له عينين لدرجة أنك لو نظرت إليه أحياناً ما تظن أنه أعمىً، لكنه أعمىً.
ولذلك فاوت الله بين عباده لئلا يقول الناس هذا طبيعة، فلو كان كلهم يتكلمون لقال الناس هذا طبيعة، واللسان من طبيعته أن يتكلم، لكننا نقول له فلان عنده لسان ولا يتكلم، ولو كان طبيعة لتكلم هو ولتكلمت جميع الألسنة.
وهنا كذلك شجرة تنبت في النار والنار تحرق الأشجار، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك ولا تتحكم فيمن خلقها وأوجدها وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ولو تحكمت فيه لكان محكوماً ولما كان حاكماً وهو الذي لا يسأل عما يفعل، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وبم يتميز المؤمن عن غيره؟ ولذلك الشيطان يحزن عندما يموت العابد الجاهل، ويفرح عندما يموت العالم العليم الذكي، قالوا لمَ؟ قال: العابد كنا نضله ونخدع الأمة به باسم الشرع، وأما هذا العالم – فإننا ننصب للناس أشباكاً وأشراكاً – مصايد ونتعب فيها فيأتي العالم بكلمة واحدة يبطل حيلنا، ولذلك نحن إذا مات العالم نفرح وإذا مات العالم الجاهل نحزن، لأنه كان مصيدة لنا وأما ذاك فكان يكشف مصائدنا قالوا: وكيف؟ قال أريكم، فأخذ إبليس أعوانه وذهبوا إلى عابد جاهل وقالوا له: هل يستطيع الله أن يخلق الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: وكيف يكون هذا؟ إنه لا يستطيع ولا يقدر على هذا فقال إبليس لأتباعه: كفر وهو لا يدري، ثم ذهبوا إلى عالم وقالوا: هذه الدنيا على سعتها ولا ترى طرفها فهل يستطيع الله أن يوجدها في داخل بيضة؟ فقال: ومن يمنعه؟ قالوا: وكيف يدخلها في
¥