أما نشر الدعوة فإياك أن تتحدث فيه عن الجهاد! هناك اليوم وسائل "إنسانية" لنشر الدعوة فاسلكها إن شئت .. هناك الكتاب والمذياع والتلفاز والمحاضر والدروس .. إياك أن تتحدث عن الجهاد فتكون مضغة في أفواه المتحضرين! ..
إن الإسلام صريح في توجيه أتباعه إلى التميز عن أحوال الجاهلية، التميز بنظافة السمت ونظافة الأخلاق ونظافة السلوك، والاستعلاء بالإيمان على كل مصدر ليس إسلاميا أو متعارض مع الإسلام،حتى لو لحقت بهم هزيمة مؤقتة أو ضعف طارئ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}] سورة آل عمران: 139 [
ومصدر التميز هو الإحساس بأنهم على الهدى وغيرهم على الضلال، وأن المنهج الذي يعيشون به هو المنهج الأعلى لأنه المنهج الرباني، والذي يعيش عليه غيرهم هو المنهج الأدنى لأنه منهج جاهلي. فهو ليس تميزا مبنيا على الجنس ولا اللون ولا الجاه ولا الغنى ولا القوة ولا أي معنى من المعاني الأرضية التي تعتز بها الجاهلية وتستعلي بها على الناس. إنما التميز المستمد من معرفة المنهج الرباني و اتباعه) أ. هـ] مذاهب فكرية معاصرة ص 510 - 524 باختصار وتصرف يسير [.
ومن شبه الداعين إلى الإنسانية كهدف لحوار والحضارات قولهم: إن حوار المسلمين مع أهل الديانات الأخرى ليس حوار عقائد وإنما هو حوار على القواسم المشتركة المتفق عليها بين الجميع كخلق التسامح والعدل ومحاربة الظلم ونشر السلام والقيم الفاضلة. ولا يخفى ما في هذا الكلام من غباء ومغالطة ومخالفة لبدهيات العقل والشريعة.
أي عدل وأي أخلاق فاضلة يُطمع فيها من الكفار الذين كفروا بربهم فهم بين ملحد دهري أو مشرك مؤمن بعقيدة التثليث وتأليه عيسى عليه السلام.
أي عدل وخلق يطلب من الكفار الصليبيين الذين قتلوا الملايين من المسلمين وشردوهم وسجنوهم وحاصروا بلدانهم حتى مات مليون طفل من حصارهم في العراق وغزة وغيرهما.
إن من كفر بالله عز وجل قد وقع في الظلم الأعظم وعليه فلا يتوقع من هذه حاله، إلا الظلم والأخلاق الرذيلة والاستبداد والطغيان قال الله عز وجل: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}] سورة الأنفال:17 [والواقع شاهد بذلك.
إن من يرجوا سلاماً أو عدلاً أو أخلاقاً طيبة من الكفار كمن يستنبت بذوراً في الهواء أو يحرث في البحر.
إنه لا شيء يضبط السلوك الإنساني ويزكي النفوس ويأطرها على محاسن الأخلاق وترك سيئها غير توحيد الله عز وجل والخوف منه سبحانه ورجاء ثوابه ومراقبته في السر والعلن والشعور باطلاعه عز وجل على خفايا القلوب ومنحنيات الدروب، وهذا كله لا يأتي إلا بالتربية على التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته ومقتضياتها والتعبد له سبحانه بها مما يكون له الأثر في ظهور أثارها على أخلاق الناس وسلوكياتهم وإذا لم يوجد هذا الشعور وهذه التربية على العقيدة فإنه لا تنفع أي محاولة مهما كانت في تهذيب سلوك الناس، مهما وضع من النظم والقوانين والعقوبات، فغاية ما فيها ضبط سلوك الفرد أمام الناس والقانون فإذا غاب عن أعينهم ضاعت الأخلاق واضطربت القيم،وهذا هو الفرق في علاج انحراف النفس البشرية والمجتمع الإنساني بين منهج الله عز وجل القائم على تربية الناس على العقيدة وبين المناهج الجاهلية البعيدة عن منهج الله عز وجل إن عقيدة التوحيد هي الأصل في إصلاح النفوس والأخلاق وبدونها تفسد الأخلاق والقيم ولو صلحت بعض الأخلاق بدوافع أخرى غير العقيدة كالعادات ورقابة القانون أو المصالح النفعية فإنها لا تدوم بل تزول بزوال المصلحة أو الرقيب.
ويحسن بنا في هذه الوقفة تنبيه المخدوعين من أبناء المسلمين الذين انخدعوا ببعض الأخلاق النفعية التي يجدونها عند الكفار في ديارهم كالصدق في المواعيد والأمانة والوفاء بالعقود،إلى أن هذه الأخلاق لم يكن دافعها الخوف من الله عز وجل ورجاء ثوابه في الدنيا والآخرة وإنما هي أخلاق نفعية مؤقتة يريدون منها مصالحهم الخاصة والدعاية لهم ولشركاتهم ولذلك فإنها لا تدوم معهم وإنما تدور معهم حسب مصالحهم بدليل أن هذه الأخلاق تنعدم ويحل محلها الأخلاق السيئة من الكذب والخداع والظلم والطغيان إذا كانت مصالحهم تقتضي ذلك ومراجعة سريعة للحروب الصليبية
¥