وقد نشأ عن ذلك اضطراب وتناقض في الخطاب الإعلامي؛ فمرة يكون الآخر الكافر (البعيد أو القريب في داخل بلاد المسلمين)، ومرة يكون الآخر المخالف لك في الاتجاه السياسي، ومرة يكون الآخر المخالف لك في الرأي أو المذهب؛ سواء كان عقدياً أو فقهياً، ومرات يكون الآخر هو من كان من بلد غير بلدك أو قبيلة غير قبيلتك .. وهكذا.
3 - أنه قصد به تخفيف الفارق بين المسلمين والكفار، وهذا من أخطر آثار هذا المصطلح، حيث إن من أطلقه أو أشاع استعماله عن قصد إنما أراد إلغاء عقيدة الولاء والبراء أو إضعافها، ومحو التوحيد والإيمان والإسلام المفرِّق بين المسلمين والكافرين أو إضعاف ذلك.
فبناء على ذلك لا يمكن قبول لفظ (الآخر) بهذا الاعتبار؛ نظراً إلى آثاره الخطيرة التي سبق الإشارة إلى بعضها.
- البيان -: هل نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر في الطريق وعدم بدئه بالسلام؛ ترفض أرضية قبول التعايش مع الآخر؟
جواب هذا السؤال يكمن في الاستفصال عن مصطلح ورد في آخره وهو (التعايش مع الآخر)؛ فمصطلح (التعايش) دخله ما دخل مصطلح (الآخر)؛ إذ إن مدلوله اللغوي واضح وهو العيش على هذه الأرض من بني آدم كافة دون تفريق.
وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله تعالى:
- فقال - سبحانه -: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11]؛ فهو معاش للمخلوقات كافة.
- وقال - تعالى -: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 23]. والمعيشة والأرزاق مقسومة في هذه الدنيا لكل الناس، ومن ذلك ما يحتاج فيه بعضهم إلى بعض لتعمر هذه الحياة.
- وقال - تعالى -: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 01]. وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ=} [الحجر: 02].
وبناء على هذا؛ فقضية عيش بني الإنسان وتعامل بعضهم مع بعض سنَّة كونية؛ فإذا أُطلق التعايش بين الأمم - على اختلاف أديانهم - مقصوداً به هذ المعنى؛ فهو حق. ومنذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تزل أكثر المأكولات والمصنوعات والملبوسات والآلات الحربية ونحوها تتبادل بين المسلمين وغيرهم، وهذا ظاهر معلوم، وكلام العلماء والفقهاء في ذلك واضح.
والمشكلة هي انتقال هذا المعنى إلى مصطلح (التعايش) بمدلول جديد يحمل معاني ودلالات ولوازم تمسُّ جوهر عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه.
وهذا ما يفسِّر شيوع هذا المصطلح والزجَّ به في لغة الإعلام والخطاب والثقافة والفكر والحوار والعلاقات .. إلخ.
ومن أخطر المعاني والدلالات التي أريد لهذا المصطلح أن يحملها:
1 - إلغاء الفارق العقدي والشرعي والسلوكي بين المسلمين والكفار أو إضعافه؛ فهو مصطلح يحمل بديلاً عن أشياء أخرى عرفها المسلمون وعايشوها وأساسها الفارق بين الإسلام والكفر وفروع هذا الفارق ولوازمه.
2 - الانتقال من البُعْد النظري أو العلمي إلى البُعْد العملي في حياة المسلمين، وذلك بأن يعايشوا الكفار على أساس إلغاء تلك الفروق بين المسلمين والكفار أو إضعافها؛ فهو مصطلح يرمي بالمسلم - والمسلمين عموماً - إلى أن يعايش الكفار في عباداتهم وأخلاقهم وقوانينهم دون التفات إلى أصولها العقدية والفكرية.
3 - الخطورة في هذا المصطلح الظرف الزماني والآني الذي به يرفع اليوم؛ وهو طغيان الحضارة الغربية بعقائدها ونُظمها وأخلاقها، حتى وُصفت بأنها هي الأعلى، وهي القدوة، وهي الغاية التي يسعى كل شعب للحاق بها. كيف لا؛ وهي نهاية التاريخ؛ كما عبر بعضهم.
فهي تدعو المغلوب إلى أن يقلِّد الغالب ويعايشه ويسير خلفه، وليس التعايش الذي هو التفاعل بين الطرفين على أقل تقدير.
4 - إن هذا التعايش له آثار سلبية في أمور كثيرة، منها:
- ضعف اعتزاز المسلم بدينه.
- إضعاف عقيدة الولاء والبراء أو إلغاؤها.
- ضعف وحدة المسلمين وأخوّتهم.
- الذوبان في تلك الحضارة في الطرف الأسوأ فيها؛ كالفلسفات الإلحادية، وأفكار الحداثة والعبثية والوجودية، وأخلاقيات الإباحة والشذوذ والتفكك الأسري .. إلخ.
5 - أما ما يُزعم من الاستفادة من الحضارة الغربية وتقدُّمها العلمي والمادي والتقني والصناعي .. إلخ؛ فهذا غير مقصود - حسب استعمال مصطلح (التعايش) -؛ لأمرين:
¥