أحدهما: أن هذا لو كان مقصوداً لكانت وسائله سهلة؛ ومنها: نقل التقنية إلى داخل بلاد المسلمين.
الثاني: أن التجربة والواقع يشهدان بأن ما نخسره من التعايش عشرة أضعاف ما نكسبه من مكتسبات الحضارة وأكثر.
وبناء على ما سبق يكون الجواب عن السؤال كما يلي:
1 - نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر وعدم بَدْئه بالسلام جاءت بها أدلة صريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، وهي جزء من كلّ مرتبط بالتوحيد والإسلام، والقرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتفاصيل العقيدة والشريعة، ومنها: ما يتعلق بعلاقة المسلمين مع بعضهم، وعلاقاتهم مع الكفار على مختلف الأحوال؛ في الحرب والذمة والعهد .. إلخ.
ولهذه المسائل - التي وردت في السؤال - أحكام تفصيلية، كما أن الحكمة منها كلها ظاهرة جليَّة في الدين، بل إن البراءة من الكافرين، وشروط الذمة المعروفة، وجهاد الكافر؛ هي من الأسس العظيمة للدعوة إلى الله تعالى وإخراج الكفار من الظلمات إلى النور، على عكس ما قد يظن مَنْ ضد ذلك (وتفصيل هذا ليس هنا موضعه).
2 - وعلى ذلك فنصوص الولاء والبراء والتضييق .. إلخ تتصادم مع مصطلح (التعايش مع الآخر)؛ لأنها جزء من كل، ولأن الإسلام يرفض الذوبان في الآخر أو التنازل عن أصوله وشريعته أو بعضها بحجة التعايش مع الآخر؛ كما هو مفهوم وغاية هذا المصطلح من جانب المنادين به من تيارات العَلْمانية والعقلانية البدعية ونحوها.
3 - ثم نقول: هذه النصوص ونحوها لا تعزل الأمة الإسلامية عزلاً تاماً عن بقية العالم؛ فعندها ألوان من التعايش بالمصطلح اللغوي لا المصطلح الجديد الذي شاع لدى العَلْمانيين والمفتونين بالغرب من المسلمين؛ فالعلاقات التجارية، والاستفادة مما عند الأمم الأخرى من التجارب والأمور النافعة - ألم يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الأحزاب بنظام الفرس في الحرب؟ وكذلك العلاقة بأهل الذمة داخل البلاد الإسلامية - غير جزيرة العرب - وكذلك علاقة المسلم بأبيه أو أمه أو أخيه أو أخته أو قريبه الكافر أو زوجته الكتابية، أو جاره الكافر .. إلخ؛ كل هذا لا تلغيه عقيدة الولاء والبراء والتضييق .. إلخ.
4 - أخيراً: يجب وضع النصوص في موضعها الصحيح حسب دلالاتها وحسب تطبيق الصحابة ثم السلف لها، وأما تحميلها ما لم تحتمله من طرفي الإفراط أو التفريط فهو خطأ.
وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسِيَر الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وسير الصحابة - رضي الله عنهم - أكبر شاهد على هذا المنهج الوسطي الواضح.
- البيان -: هل يصح القول باحترام المعتقدات والمبادئ الأساسية لكل طرف من منطلق قوله - تعالى -: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 801]؟
هناك فرق بين احترام المعتقدات والسبّ. والآية إنما جاءت بالنهي عن السبِّ لآلهة المشركين؛ دفعاً لمفسدة سبِّهم لله تعالى، وعلى هذا:
1 - فالنهي عن سبِّ آلهة الكفار وشتمها لا ينفي وجوب بيان بطلان عبادتها بالأدلة النقلية والعقلية المتعددة؛ كما هو منهج القرآن الكريم ومنهج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويدخل في ذلك بيان التوحيد وأدلته والدعوة إليه - كما هو معلوم - ومعلوم أن هذا يغضب الكفار ولا يرضيهم.
2 - هناك قيود ينبغي اعتبارها في مسألة سبِّ آلهة الكفار، منها:
أ - الابتداء بالسبِّ هو المنهيُّ عنه، لكن لو سبوا إلهنا فلا مانع من مقابلة ذلك: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}.
[الشورى: 04]
ب - قوله - تعالى -: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 801] فيه إشارة إلى عُبَّاد الأصنام الجهلة الذين يظنون صواب دينهم ويتعصبون له.
أما العتاة من الطواغيت فإنهم لا ينتظرون في عدوانهم مبادأة المسلمين لهم كما هي الحال في طغاة الغرب الصليبي اليوم.
وأما عامة النصارى أو البوذيين ونحوهم فينطبق عليهم ما جاء في آية النهي عن سبِّ آلهة المشركين؛ والله أعلم.
3 - احترام المعتقدات الفاسدة للمخالفين له شقان:
¥