تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهؤلاء - والحمد لله - ليسوا قلة، بل هم كثيرون في بلدان المسلمين كافة وصوتهم مسموع وجماهير المسلمين المسلمة إنما تسمع لهم؛ خاصة بعد أن فُضح الغرب في دعاويه وأكاذيبه: في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد أن فُضح المدّ العَلْماني في بلاد المسلمين حيث فشل في أن يقدِّم للمسلمين أيَّ مشروع للنهوض بالأمة؛ ففشلت مشاريعه الأممية الشيوعية، كما فشلت مشاريعه القومية، وأخيراً فشلت مشاريعه التي يسوقها من بلاد الغرب؛ لأن أسياده فشلوا وفُضِحوا. وكذلك بعد أن فُضِحت الاتجاهات التنويرية والعقلانية؛ حيث انكشف عوارها وشكها وتأرجحها وتبعيتها للمناهج العَلْمانية والاستشراقية والتنصيرية؛ فأصبح يصدق عليهم أنهم في مشروعهم: (لا للإسلام نصروا، ولا للغرب الصليبي كسروا).

3 - خلاصة ما أراه حيال نظرية صدام الحضارات يقوم على أساسين:

أحدهما: أن هذه النظرية صحيحة من جهة الصراع بين الكفر والإسلام، حيث إن الإسلام بتوحيده وعبوديته لله والإيمان بأركان الإيمان الستة، وما ينبثق عن ذلك من شريعة ونظام حياة؛ لا بدّ أن يصطدم بالغرب الصليبي الكافر العابد لغير الله والخاضع لشريعة الطاغوت.

والحضارة والثقافة الإسلامية بأُسسها وثوابتها تصطدم بحضارة الغرب بأُسسها وثوابتها.

وهذا الصراع أو الصدام هو حكم رباني جاء به الأنبياء جميعاً، ونصوص الكتاب والسنة قائمة على هذا الفرقان بين الحق والباطل، والأدلة حاسمة في هذا الباب. قال - تعالى - عن الكفار: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 712]، وقال - تعالى -: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 021]، ونصوص السنة الصحيحة جاءت مبيِّنة أن القتال مع اليهود والنصارى سيبقى حتى يخرج الدجال وينزل عيسى بن مريم؛ عليه الصلاة والسلام.

وإنني أقول بكل وضوح: إنه لا مهرب من هذا الصراع أو الصدام بين المسلمين والكفار من الغرب الصليبي - ونحوهم - حتى لو أُنشئت مئات المنظمات العالمية ووقَّع عليها الزعماء كافة، ودبج المثقفون والمفكرون من الطرفين عشرات البيانات للتعايش والوئام؛ إذا لم يجمعهم التوحيد والإسلام الذي جاء به خاتم الرسل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ومن المعلوم أن الشرك وعبادة غير الله لا يمكن أن يلتقيا مع التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، كما أن من كفر بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر ببقية الرُّسُل؛ لأن الإيمان بهم جميعاً متلازم.

الثاني: هناك منطلقات وفروع لهذه النظرية غير مسلَّم بها، ويجب الاعتراض عليها، ومن ذلك:

أ - الإيحاء بأن الصراع أو الصدام إنما هو مع حضارة الغرب في جانبها المادي والتقني، والزعم بأن الإسلام يعادي الحضارة؛ لأنها تقدُّم وحضارة.

وهذا كذب على الإسلام وفرية. وقد توسَّع عدد كبير من الكتّاب الإسلاميين في بيان ذلك والرد على الغرب ودهاقنته في مجال الفكر من المستشرقين والمنصِّرين وأذنابهم من العَلْمانيين في بلاد المسلمين.

وهي من الوضوح بحيث أصبح الحديث عنها مكرراً مملاً.

ب - أيضاً الإيحاء بأن الإسلام يحقد على الغرب حسداً منه، أو خوفاً من الحضارة واكتشافاتها ونحو ذلك، وهذا فيه ما فيه من البهت؛ حيث ما من مسلم صادق إلا وهو يفرح ويتمنى لو أن الغرب وغيرهم أطاعوا الله وعبدوه وحده لا شريك له، وهم على ما هم عليه من القوة والسلطان. والمسلمون ليس عداؤهم شخصياً للغرب، وإنما هو الولاء والبراء في الله، هكذا علَّمهم دينهم، وهكذا تلقَّوا عن نبيهم نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -.

ج - استغلال هذه النظرية لشنِّ حملة على الإسلام وعلى المسلمين وتصوير المسلمين بأنهم إرهابيون أصوليون متطرفون معادون للحضارة؛ لأنهم ضد الحضارة، ولأنهم متخلِّفون عن ركب العالم الذي هو الغرب بعولمته.

د - حصر الصدام بأنه مع المسلمين فقط، بينما يصطرع العالم قديماً وحديثاً صراعات مادية أساسها اختلاف المناهج وبسط النفوذ، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:

- الحرب العالمية الأولى والثانية كانت بين دول أوروبية نصرانية، وقد أزهقت ملايين الأنفس ودمَّرت بلداناً ومدناً بأكملها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير