وإذا كانت السياسة الشرعية في التعامل مع هذه الدول وتلك القوى والمؤسسات مما تضبطه قواعد الشريعة وأسسها حسب حال المسلمين قوة وضعفاً، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها بعد تقواها لربها تبارك وتعالى؛ إلا أن الأمر زاد على حدّه في سعي تلك المؤسسات العالمية لنشر الإلحاد، وحرب التدين، والاعتداء على خصوصيات الأمم في شريعتها وأحكام دينها، وتجاوزت في باب الأخلاقيات تحت مسمى المساواة بين الرجل والمرأة والحرية حدَّ ما هو متفق عليه بين العقلاء قبل أن يكون هناك دين وشريعة، وتسويق الرذيلة والشذوذ وحرب الحشمة ومعاداة من يعارض هذا كله.
وهذا ما لا يقبله عقلاء الأمم فضلاً عن أمة الإسلام أمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وبناء على ذلك؛ فلنحذر من أن نصنِّف من يعترض على هذه الأمور بأنه ضد العالم كله وأنه شاذ مارق .. إلخ؛ فالمسألة مفضوحة سياسياً ومكشوفة أخلاقياً وهي مصادمة لديننا وثوابتنا.
- البيان -: هل الحاجز النفسي الذي تقيمه الأديان لحماية أتباعها من الذوبان في غيرهم يُعدُّ عائقاً لحوار الحضارات؟
1 - الجواب في الجملة: نعم! والأمر طبيعي، خاصة في ظل حوار الحضارات القائم على عولمة الغرب في ثقافته وأخلاقه ونُظمه.
ومع التلاقي السياسي والعسكري والاستراتيجي بين أوروبا وأمريكا مثلاً؛ إلا أن بعض دول أوروبا ترفض عولمة أمريكا، وهذا مشاهَد وقائم في ألمانيا، وفرنسا، واليابان أيضاً. وإنما ذكرت العولمة لأن أساس حوار الحضارات فكري وثقافي وأخلاقي ونُظم حياة قبل أن يكون سياسياً وعسكرياً.
فإذا كانت هذه حال من يسير في ركب الغرب وسياساته؛ فكيف بالأمم الأخرى التي لا ترى من الغرب إلا استعماراً وتدخُّلاً في شؤونها؟ ثم كيف بالمسلمين الذين نالهم النصيب الأوفر من عِداء الغرب وحربه وتدخّلاته في بلادهم وشؤونهم؟
2 - الإسلام يختلف عن الأديان والمِلَل الأخرى الكافرة؛ لأن تلك الأديان محرَّفة، ولا ضيرَ عندها في أن تغيِّر دينها وشريعتها، وأن تقتبس من غيرها ما تشاء، بناء على أنها ديانات قابلة للتطوير والتحوير وإن كان هذا صعباً في بعض الأحيان.
أما الإسلام فهو دين محفوظ وقائم، أسسه ومصادره من الكتاب والسنة قائمة كالجبال الراسيات؛ فلا يملك أحد ولا يستطيع لها تغييراً ولا تبديلاً، وكل المحاولات من هذا النوع منذ بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - باءت بالفشل الذريع. والمحاولات المعاصرة التي تقوم بها دوائر الاستعمار والاستشراق والاستخبارات في الغرب بجهود وضغوط منها وباستخدام العَلْمانيين أو الليبراليين أو مَنْ دونَهم من أصحاب الأهواء من الفرق الإسلامية أو أصحاب الاتجاهات التنويرية ونحوها في بلاد المسلمين، وتجييش ذلك كله لإخضاع الإسلام وتغيير أصوله وقواعده وشريعته؛ باءت كلها وستبوء بالفشل الذريع.
3 - أرى أن نقوم - نحن المسلمين - بحماية أمتنا من ذلك الذوبان ولو على حساب ضعف حوار الحضارات وما أشبهه، لكن على ألا ننسى أن ديننا للعالم أجمع، وأن ديننا هو دين التوحيد والرحمة بالخلق، قال - تعالى - عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 701].
يضاف إلى ذلك أن نأخذ بأسباب القوة والرقي الحضاري النافع - ومسائله متاحة إذا صدقنا العزم والنية والعمل - حتى لا نكون عالة على غيرنا، وحتى نكون نحن الأقوى بعون من الله وتوفيقه، وفي هذه الحالة سنكون نحن الهداة - كما كانت أمتنا سابقاً - الذين يقدمون للعالم كله المبادئ والأسس والأصول التي تسعده.
- البيان -: هل لكم أن تقيِّموا تجربة حوار الحضارات خلال السنوات العشر الماضية من خلال اطِّلاعكم ورؤيتكم لمجريات الأحداث في الساحة العالمية؟
1 - الأجوبة السابقة فيها بيان لجزء كبير من تقويمي لما يُسمَّى بحوار الحضارات، وقد مرت مسائل وتساؤلات مهمة في هذا الباب.
2 - وخلاصة تقويمي لما جرى على ضوء الواقع كما يلي:
أ - لم يتم حوار حضارات حقيقي - على حدِّ علمي - وإنما هي محاولات ثقافية بين المثقفين هنا أو هناك، وحوارات مع النصارى في إيطاليا وغيرها بما يدخل تحت مسمى (التقارب بين الأديان) ونحو ذلك.
¥