[منهج أهل السنة والجماعة في باب العقيدة]
ـ[سليمان عبدالرحمن]ــــــــ[21 - 12 - 08, 11:27 م]ـ
[منهج أهل السنة والجماعة في باب العقيدة]
لشيخ الدكتور: عبدالرحمن المحمود
منهج أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى قائم على أسس واضحة متينة قوية، فيها انشراح الصدر، ورباطة الجأش، وفيها قوة الإيمان، وفيها إحقاق الحق، وفيها سلامة الصدور من الغل: ((أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (الرعد: 28).
ويقوم منهج أهل السنة والجماعة على الأسس التالية:
الأساس الأول: هو أن مصدر التلقي، سواء كان لأمور العقيدة، أو لأمور الشرع: هو الوحي، أي: ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه القضية المسلمة تمثلت عند أهل السنة والجماعة بأمور ثلاثة:
الأمر الأول: هو وجوب التحاكم إليهما – أي: إلى الكتاب والسنة-، عند التنازع والاختلاف، يقول الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) (النساء: 59). ويقول تبارك وتعالى: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)) (النساء: 65).
إذًا: إلى من يُتَحاكم؟ يتحاكم إلى الكتاب والسنة، لا إلى رأي فلان، ولا إلى عقل فلان، ولا إلى النظم الغربية، ولا إلى أنظمة الدول وهيئات الأمم المتحدة وغيرها، بل يرجع إلى من بيده الأمر، وهو: الله سبحانه وتعالى، فيتحاكم إلى كتابه، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل منهما وحي: ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى)) (النجم: 3).
– أي: الرسول- صلى الله عليه وسلم- ((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) (النجم: 4).
الأمر الثاني: أن هذا الدين كامل، إذًا: إذا كان هذا الدين كاملاً فمصدر التلقي: هو الكتاب والسنة، فالله تبارك وتعالى يقول: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ)) (المائدة: 3).
فكل من سار على بدعة، أو أراد أن ينهج نهجًا من مناهج الشرق أو الغرب، أو أراد أن يبدل حكم الله سبحانه وتعالى بأحكام البشر، فهو مخالف لهذه القضية المسلمة، وهي: أن دين الله كامل، والذي يقول بتلك المقالات زاعم بأن دين الله ناقص.
الأمر الثالث: هو أن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يتأدبون مع نصوص الكتاب والسنة حينما كانوا يبينون العقيدة، لأن العقيدة أمرها خطير، ومسائلها مهمة، قد تتعلق بالله تبارك وتعالى، وبأسمائه وصفاته وأخباره، وأحكامه وملائكته ومغيباته، ومن ثم فإن الإنسان إذا حكى العقيدة – كما هو منهج السلف– أن يلتزم بذلك الأدب مع هذه النصوص.
الأساس الثاني: أنه يجب تقديم الشرع على العقل، حينما يُتَوهم التعارض، فإذا جاءتنا قضية نظرية، تتعلق بأي أمر من الأمور سواء بنشأة هذا الكون، أو بالإيمان بالله، أو بالفناء– فناء هذا الكون-، أو بغير ذلك، فإذا توهمنا أن شيئَا منهما يعارض كتاب الله سبحانه وتعالى، فيجب علينا أن نقدم الشرع والنقل الصحيح، وينبغي أن تعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين شرع منزل صحيح، وعقل صحيح غير فاسد، لا يمكن؛ لأن الكل من عند الله سبحانه وتعالى، ولكن قد تأتي نظريات وهذه النظريات يكون لها دعاة أو لا يكون لها دعاة، فحينما تصبح نظريات وأمامنا شرع منزل صادق، فيجب علينا أن نقدم هذا الشرع المنزل على تلك العقول مهما كانت، وهذا هو منهج السلف رحمهم الله تعالى في بيان عقائدهم، وفيما يجدّ من آراء وفلسفات ونظريات.
الأساس الثالث: هو بعدهم وعدم خوضهم في علم الكلام والفلسفة ونهيهم عن البدع في الدين، وتحذيرهم منها أشد التحذير، ولقد تواتر عن السلف رحمهم الله تعالى كلام طويل في هذا الباب، حتى إن الإمام الشافعي رحمه الله حكم على أهل البدع المخالفين للسنة، حكم عليهم: بأن المفروض فيهم أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في الأسواق، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام، وكلام السلف حول هذه المسألة طويل.
¥