تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأساس السادس: هو أن أعلم الناس بعد الرسول- صلى الله عليه وسلم- بهذه العقيدة هم الصحابة، ومن ثم فمن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة اعتقاد أفضلية الصحابة كلهم، وعدالتهم وخيريتهم، وأن ثبوت الصحبة – فقط – لأي شخص من الأشخاص كافٍ في إثبات عدالته، وهؤلاء الصحابة- رضي الله عنهم- وأرضاهم هم أصحاب نبيه، بلغوا عنه، وهم أحسن الناس فهمًا، وتقوم هذه القضية وهذا الأساس من منهج أهل السنة والجماعة على بعض الأمور، منها:

* الأمر الأول: أن الصحابة - رضي الله عنهم- شاهدوا التنزيل، والتطبيق العملي للإسلام لأول مرة، إذًا هم شاهدوا الأحداث، شاهدوا القرآن كيف ينزل، وشاهدوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- كيف يربي أصحابه، وكيف يجاهد في سبيله، وكيف يبني الأمة، وكيف يبلغ هذا الدين للناس.

* الأمر الثاني: أن هؤلاء الصحابة اختصهم الله سبحانه بصحبة نبيه، وتبليغ شرعه، ونحن الآن من الذي يبلغنا؟ من الذي بلغ التابعين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟

حينما يأتي قائل ويقول: الصحابة كلهم ارتدوا إلا ثلاثة!! بالله عليكم من نثق بكلامه؟! إذا جاءت مثل هذه المقالة، كلا والله .. إنهم لأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وإنهم لحواريه، لقد قاموا بالأمر الحق كما أمرهم نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، فرضي الله عنهم أجمعين .. وجمعنا بهم في مستقر رحمته .. آمين، أيضًا لم يكن بين الصحابة خلاف في العقيدة، بل كانت عقيدتهم سليمة، وأيضًا كانوا رضي الله عنهم يسألون عما يشكل عليهم، فإذا مر على أحدهم مسألة لم يعيها سأل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقال: كيف يكون هذا؟

إذًا: الصحابة- رضي الله عنهم- وأرضاهم فهموا هذه العقيدة، وبلغوها لمن بعدهم عن علمٍ وفهمٍ وفقه- رضي الله عنهم- أجمعين.

الأساس السابع: أن السلف- رحمهم الله تعالى- كانوا يتلقون هذه العقيدة لتبليغها، والإيمان بها وتنفيذها، أي: أن السلف- رحمهم الله تعالى- لم يكونوا يحملون في نفوسهم وعقولهم مقررات عقلية، وأصول عقلية، ثم يستمعون للنصوص لينظروا فيها، فما وافق هواهم قبلوه، وما خالف هواهم ردوه أو تأولوه، لا .. ذاك منهج أهل البدع، أهل البدع الواحد منهم تجده هكذا، عنده قضية مستقرة في ذهنه وعقله، وهذه القضية يأتي إلى النصوص فينظر فيها، ما وافق ما في ذهنه وعقله قبله، وما خالفه رده.

إذًا: السلف- رحمهم الله تعالى– وهذا هو منهجهم الذي يجب أن نسير عليه، أن تكون القاعدة عندنا: ماذا قال ربنا؟ لا نقول: لمَ قال ربنا؟ ولمَ جاءت الآية الفلانية؟ أو لمَ جاء الحديث الفلاني؟ وإنما نقول: ماذا قال ربنا؟ فإذا سمعنا ما قال الله وما قال رسوله- صلى الله عليه وسلم-، قلنا بكل ثقة واطمئنان: ((وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) (البقرة: 285).

هذا هو منهج السلف رحمهم الله تعالى، أما منهج من عاداهم فهو على الضد من ذلك، والأمثلة كثيرة ولا نريد أن نطيل فيها.

الأساس الثامن: أنهم يأخذون بجميع النصوص، ولا يفرقون بينها، ويجمعون بينها عند الاستدلال، وهذا منهج مهم جدًا، فإن السلف رحمهم الله تعالى إذا نظرت إلى أحوالهم تجدهم يأخذون بجميع النصوص، لكن لو جئت إلى أهل البدع لوجدته أخذ ببعض النصوص وترك البعض الآخر، لو جئت مثلاً للقدرية الذين يزعمون أن الإنسان حرٌ طليق في هذه الحياة يشاء ويختار بغير مشيئة الله، لوجدتهم يأخذون بالنصوص التي تبين أن الإنسان له إرادة واختيار، ولو جئت إلى الحتميين والجبريين الذين يقولون: الإنسان مجبور وما عليه إلا أن ينام، كما تلقف هذه الفكرة الصوفية وغيرهم، ولو جئت إلى هؤلاء لوجدتهم يحتجون بالنصوص التي تدل على أن المشيئة بيد الله سبحانه وتعالى، لكن إن جئت إلى أهل السنة والجماعة تجدهم- رحمهم الله تعالى- أخذوا بتلك الأدلة، وأخذوا بالأدلة الأخرى، فقالوا: للإنسان إرادة ولكنه خاضع لمشيئة الله تعالى: ((لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) (التكوير: 29.28).

وهكذا في المسائل الأخرى، وفي مسائل الصفات، وفي مسائل الإيمان، وفي مسائل أفضلية الصحابة وغيرها، وهو منهج مهم جدًا، لأن الذي يريد أن يسير على منهج السلف: عليه أن لا يفرق بين النصوص، وإنما يأخذها كما وردت، وأن يجمع بينها، لأنها لا يمكن أن تتعارض، وإنما تتعارض في أذهان أهل الأهواء، أما الأذهان الصافية التي تريد الحق واتباعه فلا تتعارض في أنفسهم هذه النصوص، وإنما تتآلف وتتضامن وتجتمع، والحمد لله رب العالمين.

الأساس التاسع: هو إنصافهم لخصومهم، فالسلف- رحمهم الله تعالى- يوالون ويعادون، والولاء والبراء عندهم قائم على الإنصاف والعدل، فيحبون أهل الإيمان، ويبغضون أهل الكفر، ويحبون الطاعات، ويبغضون المعاصي ويعادونها، فمن كان من أهل الإيمان والاستقامة أحبوه وذكروه بالخير وأنصفوه، ومن كان من أهل الكفر والبدعة أبغضوه وعادوه في الله، الحب في الله والبغض في الله هو قوام مذهب السلف رحمهم الله، فإذا ما وجد من الناس من فيه إيمان وعنده معصية لا يردونه كله، ولا يقبلونه كله، وإنما يوالونه بما عنده من إيمان، ويعادونه بقدر ما عنده من معصية، وهذا غاية الإنصاف، فإذا رأيت من إخوانك صاحب معصية فعليك أن تعلم قبل كل شيء أنه أخ لك في الله، فيجب أن تواليه وأن تدعمه، وأن تعينه على الحق، وأن لا تعين الشيطان عليه، ثم إنك تعاديه بتلك البدعة أو تلك المعصية، وترجو له الخير وتدعو له بالخير، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتنصحه في الله لا نصيحة غل وحقد، وإنما نصيحة حب وإيمان، لأنك تؤاخيه في الله، لأنه مؤمن وإن كان صاحب معصية.

هذه بعض المسائل المتعلقة بمنهج أهل السنة والجماعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير