فالتجأت إلى الله وقرأت القرآن فصرت أراهم ولا يرونني، وبدأت أسمع أصواتهم، يقول بعضهم لبعض: هذا الرجل الذي ظهر لنا ثم توارى عنا ما هو؟ فيقول له الآخر: لعله ديبلة يقول هذا في لغتهم لعله جني ظهر ثم اختفى، يقول أنا أسمع كلامهم وأراهم ولا يرونني، فهذه يقولها عن نفسه والله على كل شيء قدير.
قال الإمام بن تيمية في (مجموع الفتاوى في 11/ 331): "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة، سيخرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) ويقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) "لكن هذا يحتاج إلى تصليح الإيمان علماً وعملاً، ولذلك إخوتي الكرام: من لجأ إلى مخلوق دل على انفصاله عن الخالق.
(ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)، لكن هو إذا صح إيمانه علماً وعملاً، علم نافع واعتقاد حق بالله وعمل صالح وإذا قال يا رب، لم يتخل عنه رب العالمين، لأنه قطع على نفسه مبدأً فقال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فلو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينهن فرجاً ومخرجاً والله على كل شيء قدير، وعندما يعرض العبد عن هذا يكله الله إلى نفسه وفلا يبالي في أي وادٍ هلك.
القسم الرابع: المعونة
هي: خارق للعادة يجري على يد مؤمن مستور لم يظهر منه فسق ولا بدعة لكن ليس في درجة الذي قبله في الصلاح والاستقامة ولا يعرف عنه جد واجتهاد في طاعة الله فعل المأمورات من واجبات ومستحبات، وترك المنهيات من محرمات ومكروهات وعدم انهماك في اللذات فهذا ليس كذلك بل هو من عوام المسلمين، فلا تظهر عليه بدعة ولا فسق ولا يعرف بالصلاح والتقدم والاجتهاد في دين الله وما أكثر ما يجري من خوارق للعادات على يد عوام المؤمنين ليكرمهم بها رب العاملين إكراماً لهم وتثبيتاً للإيمان في قلوبهم مثلاً: تقع بعض الحوادث ممن شاهدوها يقول لن ينجو منها أحد، فيقال لك: كل من وقع عليه الحادث سلم فهذا من باب معونة الله.
إنسان يسقط من الدور السابع في مكان ضيق على بلاط فينزل وما يخدش عظمة ولا جلدة.
القسم الخامس: الاستدراج
هو: خارق للعادة يجريه الله على يد عبد مخذول، صاحب العمل المرذول (فاسق، كافر، مبتدع، ضال مضل) على وفق مراده فيجري الله علي يده خوارق للعادات ويستدرج من حيث لا يعلم مثاله: الخوارق التي ستحدث على يد الدجال وهي خوارق عظيمة يأتي إلى الخربة – كما ثبت في الصحيحين – فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، أي كجماعات النحل عندما تتبع رئيستها ومليكتها. ويأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت وغير ذلك من الخوارق التي ستحصل على يد عبد كافر.
وفي هذه الخوارق لهذا الصنف من الناس امتحان للبشر، هل سيغترون بهذه الظواهر ويتبعونهم أم لا؟
مع ما سيأتي به من آيات فيه أيضاً آيات تدل على أنه أرذل المخلوقات، فهو مثلاً ينظر بعين واحدة، وعلى جبينه مكتوب كافر يقرأها كل شخص سواء كان أمياً أو متعلماً فنقول له: أنت أعور ولا تستطيع أن تغير عورك، فكيف تحيي وتميت ولا تستطيع أن ترد عينك سليمة لتبصر ولتجعل صورتك صورة كاملة لا تشويه فيها، ولكنه لا يقدر على هذا لأنه عندما يعطيه الله بعض الخوارق لا يعني هذا أنه يتصرف تصرفاً مطلقاً بل إنه لا يزال ضمن البشرية وهو عبد مقهور لكن الله جعله فتنة للناس، هل يخدعون بهذه الأمور أم يتبعون الحق الثابت المزبور؟ فإذن فيه علامة تبين ضلاله، كما نقول له هذه الكتابة على جبينك امسحها كما أنك بعد ذلك لا يسخر لك من المركوبات إلا الحمار فلا تستطيع ركوب الخيل أو الفرس.
فكل هذا من باب إذلال الله له لذا هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام [هو رجس على رجس]
القسم السادس: الإهانة
هي: خارق للعادة يجريه لله على يد العبد المخذول (الفاسق، المبتدع، الضال، الكافر) لكن بنقيض قصده ومراده والأقسام الخمسة الأولى كلها وفق مراد من أجراها الله على يديه.
مثالها: ما جرى لمسيلمة – وقد ذكرناها لكم – أنه بصق في عين إنسان فعمي، فهذا خارق للعادة لأن البصق عادة لا يتسبب في عمى الإنسان، لكنه بصق في عين شخص ليبرأ فصار أعمىً فأراد أن يبرأه فأعماه فحصل له نقيض قصده.
¥