تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

طريقتهم ولو كان في الصحابة قوم يذهبون مذاهب هؤلاء في الكلام والجدل لعدوا من جملة المتكلمين ولنقل إلينا أسماء متكلميهم كما نقل إلينا أسماء فقهائهم وقرائهم وزهادهم فلما لم يظهر ذلك دل على أنه لم يكن لهذا الكلام عندهم أصل.

قال الخطابي: وإنما ثبت عندهم أمر التوحيد من وجوه:

أحدهما: ثبوت النبوة بالمعجزات التي أوردها نبيهم من كتاب قد أعياهم أمره وأعجزهم شأنه وقد تحداهم به وبسورة من مثله وهم العرب الفصحاء والخطباء والبلغاء فكل عجز عنه ولم يقدر على شيء منه بوجه: إما بأن لا يكون في قولهم ولا في طباعهم أن يتكلموا بكلام يضارع القرآن في جزالة لفظه وبديع نظمه وحسن معانيه وإما أن يكون ذلك في وسعهم وتحت قدرهم طبعا وتركيبا ولكن منعوه وصرفوا عنه ليكون آية لنبوته وحجة عليهم في وجود تصديقه وإما أن يكونوا إنما عجزوا عن علم ما جمع في القرآن من أنباء ما كان والإخبار عن الحوادث التي تحدث وتكون وعلى الوجوه كلها فالعجز موجود والانقطاع حاصل هذا إلى ما شاهدوه من آياته وسائر معجزاته المشهودة عنه الخارجة عن سوم الطباع الناقضة للعادات كتسبيح الحصا في كفه وحنين الجذع لمفارقته ورجف الجبل تحته وسكونه لما ضربه برجله وانجذاب الشجرة بأغصانها وعروقها إليه وسجود البعير له ونبوع الماء من بين أصابعه حتى توضأ به بشر كثير وربو الطعام اليسير بتبريكه فيه حتى أكل منه عدد جم وأخبار الذراع إياه بأنها مسمومة وأمور كثيرة سواها يكثر تعدادها هي مشهورة ومجموعة في الكتب التي أنشئت لمعرفة هذا الشأن.

قال الخطابي: فلما استقر ما شاهدوه من هذه الأمور في نفوسهم وثبت ذلك في عقولهم صحت عندهم نبوته وظهرت عن غيره بينونته ووجب تصديقه على ما أنبأهم عنه من الغيوب ودعاهم إليه من أمر وحدانية الله عز و جل وأمر صفاته وإلى ذلك ما وجدوه في أنفسهم وفي سائر المصنوعات من آثار الصنعة ودلائل الحكمة الشاهدة على أن لها صانعا حكيما عالما خبيرا تام القدرة بالغ الحكمة ,وقد نبههم الكتاب عليه ودعاهم إلى تدبره وتأمله والاستدلال به على ثبوت ربوبيته فقال عز و جل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}: إشارة إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة الدالين على جود الصانع الحكيم لما ركب فيها من الحواس التي عنها يقع الإدراك والجوارح التي يباشر بها القبض والبسط والأعضاء المعدة للأفعال التي هي خاصة بها كالأضراس الحادثة فيهم عند استغنائهم عن الرضاع وحاجتهم إلى الغذاء فيقع بها الطحن له وكالمعدة التي اتخذت لطبخ الغذاء والكبد التي يسلك إليها صفاوته وعنها يكون انقسامه على الأعضاء في مجاري العروق المهيأة لنفوذه إلى أطراف البدن وكالأمعاء التي يرسب إليها تفل الغذاء وطحانه فيبرز عن البدن وكقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت}

وكقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}

وما أشبه ذلك من جلال الأدلة وظواهر الحجج التي يدركها كافة ذوي العقول وعامة من يلزمه حكم الخطاب مما يطول تتبعه واستقراؤه فعن هذه الوجوه ثبت عندهم أمر الصانع وكونه ثم بينوا وحدانيته وعلمه وقدرته بما شاهدوه من اتساق أفعاله على الحكمة واطرادها في سبلها وجريها على إدلالها ثم علموا سائر صفاته توقيفا عن الكتاب المنزل الذي بان حقه وعن قول النبي صلى الله عليه و سلم الذي قد ظهر صدقه ثم تلقى جملة أمر الدين عنهم أخلافهم وأتباعهم كافة عن كافة قرنا بعد قرن فتناولوا ما سبيله الخبر منها تواترا واستفاضة على الوجه الذي تقوم به الحجة وينقطع فيها العذر ثم كذلك من بعدهم عصرا بعد عصر إلى آخر من تنتهي إليه الدعوة وتقوم عليه بها الحجة فكان ما اعتمده المسلمون من الاستدلال في ذلك أصح وأبين وفي التوصل إلى المقصود به أقرب إذ كان التعلق في أكثره إنما هو بمعاني درك الحس وبمقدمات من العلم مركبة عليها لا يقع الخلف في دلالتها.

درء التعارض (4

28)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير