الشاهد: حادثة الإسراء والمعراج خارقة للعادة ترجع إلى العلم أو القدرة أو الغنى؟ ترجع إلى القدرة، أقدره الله على ما يعجز عنه البشر إلا من أكرمه الله بذلك، فيسري به إلى البيت المقدس ويعرج به إلى السموات السابعة فيعاد إلى بيت المقدس، ويعاد إلى مكة في جزء من الليل ولازال فراشه دافئاً.
وهذه الأمور الستة قد جمعها بعض أئمتنا في ستة أبيات من الشعر لطيفة وهي:
1 - إذا رأيْتَ الأمرَ يخْرِقُ عادةً ? فمعجزةٌ إنْ مْن نبيٍّ لنا ظَهَرْ
2 - وإن بان من قبل وصف نبوة ? فالإرهاصَ سِمْه ُ تتبع القومَ في الأثرْ
3 - وإن جاء يوماً من ولي فإنه ? الكرامة في التحقيق عند ذوي النظرْ
4 - وإن كان من بعض العوام صدوره ? فكنوه حقا بالمعونة واشتهرْ
5 - ومن فاسق إن كان وفق مراده ? يسمي بالاستدراج فيما قد استقرْ
6 - وإلا فالإهانة عندهم وقد ? تمت الأقسام عند من اختبرْ
ومن شاء الرجوع إليه فلينظر في كتاب: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في شرح الدرة المضيئة في العقيدة الأثرية للإمام السفاريني (2/ 392)، والدرة المضيئة له وشرحها في مجلدين وهو من الكتب النافعة في علم التوحيد على هدي السلف، وقد تعرض فيه لمبحث خوارق العادات وذكر الستة.
بعض علماء التوحيد أضاف أمراً سابعاً لكنه لا يعتبر من خوارق العادات وهو: السحر، وهذه إضافة باطلة، فإنه لا يعتبر من خوارق العادات لأنه يتوصل إليه بالأسباب العادية فهناك أنواع من أنواع الكفريات من سلكها وصل إلى السحر فهو علم وتعلم مثل الموسيقى هذا حرام وذاك حرام، ولذلك من السبع الموبقات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام السحر، وما شاع بين الناس من حديث مكذوب وهو: [تعلموا السحر ولا تعملوا به] فهذا لا يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو خرافة، لأن تعلم السحر لا يحصل إلا بالكفر واستعانة بالقوى الخبيثة الشريرة من الشياطين والعفاريت، لكن هو علم عن طريق أسباب من تعلمها وصل إليه مثل الغناء والرقص والموسيقى وقلة الحياء.
لكنه لا يحصل إلا بمشيئة الله قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، وهذا كما لو أطلقت رصاصة على إنسان فأنت الذي باشرت القتل لكنه لم يمت إلا بمشيئة الله وتقديره وإرادته ولكنك تعاقب على مباشرتك للقتل، ولو صبر القاتل على مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله فالمقتول مات بأجله ولم يقدم القاتل أجله عن موعده بل ساعة قتله هي أجله، فلم يقدم أجله ولا طرفة عين لكن القاتل مسئول عن فعله.
وهناك عندما يمارس السحر ويفرق بين المرء وزوجه ويؤذي الإنسان ويكسب جسمه وهناً وضعفاً فهو بإذن الله، وقد سحر نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لم يؤثر على عقله غاية ما كان إنه يصاب في بدنه بوهن وضعف واستمر به السحر أشهر عليه صلوات الله عليه وسلامه وزاد مفعوله فيه مدة أربعين يوماً وكان يشعر بتعب ثم أنزل الله عليه المعوذتين فقرأهما فقام وكأنما نشط من المقال عليه صلوات الله وسلامه والحديث في الصحيحين.
فالسحر إذن بواسطة تعلم أشياء معلومة، وهو كما لو تعلمت فن القتال فضربت إنساناً فآذيته لكن بشيء معلوم، والساحر يؤذي بشيء معلوم، لكن ذلك بشيء ظاهر وهذا بشيء معلوم خفي، فالإيذاء بالسحر لا يكون إلا عن طريق مدارسة ولا يوصل إليه إلا بأسباب معلومة يتلقاها الناس بخلاف خوارق العادات فهذه لا دخل فيها لكسب ظاهر، إنما هي محض تقدير الله جل وعلا ومشيئته وبالتالي ليس السحر من خوارق العادات.
المبحث الثالث
أ*- كم مرة وقع فيها الإسراء والمعراج:
الإسراء والمعراج لهما حالتان:
الحالة الأولي: حالة وقوعهما في اليقظة، فلم يقعا إلا مرة واحدة قبل الهجرة، وسيأتي تحديد وقت حصولهما.
وقد حكى الإمام ا بن حجر في فتح الباري (7/ 203) في هذه المسألة عشرة أقوال في تكرر الإسراء والمعراج – والمعتمد فيها – أن إسراء ومعراج اليقظة بنبينا عليه الصلاة والسلام كان مرة واحدة.
¥