قال الحافظ ابن حجر: "شق سقف البيت من قبل الملكين فيه إشارة إلى أن صدر نبينا عليه الصلاة والسلام سينشق ويلتئم دون حصول أثر فيه كما التأم هذا السقف بعد ذلك"، ونحن في عصورنا لو شق جزء من الإنسان وأعيدت خياطته لبقي أثر الشق، بل يقول الأطباء إنه إذا شق بطن الإنسان فإنه لا يعود إلى طبيعته الأولى مهما كتب له من شفاء وعافية، ويبقى معرضاً للفتق فتراه يمنع من حمل الشيء الثقيل حتى لا تتفتق خياطة هذا كله مع تقدم العلم، وهو في شأن نبينا عليه الصلاة والسلام معجزة.
قال الإمام ابن حجر في الفتح: واختير الطست من ذهب ليتناسب هذا الطست مع مكانة نبينا عليه الصلاة والسلام والكرامات التي تحصل له، فهو من أواني الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم صائر إليها بل محرمة على غيره ولا تفتح لأحد قبله.
الأمر الثاني: الذهب لا يأكله التراب ولا يظهر عليه صدىً ونبينا عليه الصلاة والسلام كذلك بدنه لا تأكله التراب، ولا يعتريه تغير وهو يوم يبعث كحاله يوم دفن عليه صلوات الله وسلامه، والله حرم على الأرض أجساد الأنبياء كما ثبت في السنة بإسناد صحيح ?إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء?.
الأمر الثالث من الحكم في اختيار الطست من الذهب: أن الذهب هو أثقل المعادن في الوزن النوعي فلو وزنت قطعة (ذهب 5سم × 5سم) لقلت على قطعة (حديد 5 سم × 5سم)، فإذن الذهب أثقل المعادن وزناً ونبينا عليه الصلاة والسلام أثقل الخلق وزناً وقدرة، ووزن بالأمة كلها فرجح عليه صلوات الله وسلامه وهو أكرم الخلق على الله وأفضلهم عنده.
الأمر الرابع: أن في لفظ الذهب تفاؤل بإذهاب الرجس عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتطهيره تطهيراً، وهذا ما حصل له عندما استخرج منه حظ الشيطان وغسل قلبه بماء زمزم.
الأمر الخامس: أن في لون الذهب تفاؤل بحصول النظرة والبهجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ودعوته وإشراق نوره في العالمين، وهذا الذي حصل.
الأمر السادس: أن الذهب أعز المعادن وأغلاها، وكذا نبينا عليه الصلاة والسلام أعز المخلوقات وأنفسها.
ولهذا كله غسل قلبه بطست من ذهب
وإنما غسل بماء زمزم لأن ماء زمزم هو أشرف الحياة وأصله نزل من الجنة وهو هزمة جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لأم إسماعيل عندما اشتد عليها العطش، والذي دلها على ذلك المكان وحفره جبريل بواسطة ضربة إسماعيل برجله، فإذن ماء مبارك من الجنة حفره جبريل للنبي المبارك إسماعيل الذي هو والد نبينا عليه الصلاة والسلام، وينتمي إليه، فهو ابن الذبيحين عليه صلوات الله وسلامه.
وماء زمزم هو أشرف مياه الأرض وقد ثبت بإسناد حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام ?ماء زمزم لما شرب له ?وهو ?طعام طعم وشفاء سقم? كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم، وكان كثير من الصالحين يتقوتون بماء زمزم فهو ماء وغذاء، ويمكث أربعين يوماً - كما يقول الإمام ابن القيم – لا يدخل شيء جوفه إلا ماء زمزم، وانظروا فضل ماء زمزم في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 392) وما لزمزم من خواص وآثار وهو يخبر عن نفسه أنه كان يمكث الأيام المتوالية ما يتغذى إلا بماء زمزم.
فهو إذن ماء مبارك ومن أجل هذا غسل قلب نبينا عليه الصلاة والسلام به.
قد يقول قائل: كيف غسل قلب النبي عليه الصلاة والسلام بطست من ذهب، والذهب محرم استعماله على الذكور والإناث؟
ذكر أئمتنا جوابين:
الأول: وهو ضعيف في نظري – وهو أنه كان قبل التحريم.
الثاني: وهو المعتمد أن هذه الحادثة من خوارق العادات وهي متعلقة بأمور الغيب وهي بأمر الآخرة ألصق منها وأقرب من أمر الدنيا، ولذلك لها أحكام الآخرة، فكما أننا في الآخرة نحلّى بأساور من ذهب (وحلوا أساور من ذهب) فحادثة الإسراء والمعراج لها أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا، وهذه من باب خوارق العادات ولذلك لها حكم خاص خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام.
¥