كما ن جنس المسلمين خير من جنس أهل الكتابين، وإن كان قد يوجد في أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة لا توجد في كثير من المنتسبين إلى الإسلام.
211
ونحن نبين هنا ما ننصر به أهل الكلام الذين هم أقرب إلى الإسلام والسنة من هؤلاء الفلاسفة وإن كانوا ضالين فيما خالفوا به السنة
[من الإنصاف العالي عند شيخ الإسلام رحمه الله]
228
وقد صور السهروردي هذه الحجة في كتابه المسمى (بحكمة الإشراق) وهو الذي ذكر فيه خلاصة ما عنده، ولم يقلد فيه المشائين، بل بين فيه خطأهم في مواضع، وذكر فيه طريقة فلاسفة الفرس المجوس والهند.
كما أن ابن سينا في كتابه المسمى (بالحكمة المشرقية) ذكر فيه بيان ما تبرهن عنده، وكذلك الرازي في (المباحث المشرقية)
230
[السهروردي] فينبغي أن يكون في الوجود حادث متجدد لا ينقطع، وما يجب فيه لماهيته التجدد إنما هو الحركة.
وذكر تمام الكلام في وجوب استمرار حركة دائمة، وأنها حركة الأفلاك.
233
وإذا قال: الذي يدوم بدوامه هو جنس الأفعال والمفعولات أو جنس الحوادث لا شيء بعينه.
قيل: فهذ يبطل حجتك على قدم شيء بعينه، ويناقض أيضا مذهبك في قدم شيء بعينه.
235
[ابن سينا] وإذا جاز أن يكون شيء متشابه الحال في كل شيء وله معلول، لم يبعد أن يجب عنه سرورا [كذا والصواب سرمدا] فإن لم يسم هذا مفعولا بسبب أن لم يتقدمه عدم فلا مضايقة في الأسماء بعد ظهور المعنى
238
وهذا الموضع مما يشتبه على كثير من الناس، فإن التسلسل في الآثار تارة يعنى به التسلسل في أعيان الآثار، مثل كونه فاعلا لهذا بعد هذا، ولهذا بعد هذا، وأنه لا يفعل هذا إلا بعد هذا، ولا هذا إلا بعد هذا، وهلم جرا، فهذا التسلسل جائز عند الفلاسفة، وعند أئمة أهل الملل، أهل السنة والحديث.
/ وعلى هذا التقدير فقول القائل: الأمور التي تتم بها مؤثرية الباري في العالم إما أن تكون بأسرها أزلية، وإما أن لا تكون، أتريد به التي يتم بها مؤثريته في كل واحد واحد من آحاد العالم؟ أو في جملة العلم؟
239
وأما إن أريد بالتسلسل في الآثار التسلسل في جنس التأثير، وهو أن يكون جنس التأثير متوقفا على جنس التأثير بحيث لا يحدث شيئا حتى يحدث شيئا، فهذا باطل لا ريب فيه، وهو تسلسل في تمام كون المؤثر مؤثرا، وهو من جنس التسلسل في المؤثر.
لكن بطلان هذا يستلزم أنه لم يفعل بعد أن لم يكن فاعلا لشيء، فيلزم دوام نوع الفاعلية، لا دوام مفعول معين، وحينئذ فلا يدل على قدم شيء من العالم، وهذا بين لمن تدبره.
ويراد بالتسلسل معنى ثالث، وهو أن فاعليته للحادث المعين لا تحصل حتى يحصل تمام المؤثر لهذا الحادث المعين، فيلزم تسلسل الحوادث في الواحد، وهذا ممتنع أيضا باتفاق العقلاء.
240
وبما ذكرناه من الفرق بين التسلسل في أصل التأثير وتمامه وبين التسلسل في الآثار يظهر صحة الدليل الذي احتج به غير واحد من أئمة السنة على أن كلام الله غير مخلوق، مثل سفيان بن عيينة.
وبيان ذلك أنه إذا دل على أن الله لم يخلق شيئا إلا بكن، فلو كانت كن مخلوقة لزم أن يخلق بكن أخرى، وتلك الثانية بثالثة، / وذلك هو من التسلسل الممتنع باتفاق العقلاء، فإنه تسلسل في أصل التأثير، فإنه لا يخلق شيئا إلا بكن، فإذا لم يخلق كن لم يخلق شيئا، ولو خلق كن لكان قد خلق بعض المخلوقات بغير كن فيلزم الدور الممتنع، وهو المستلزم للجمع بين النقيضين، وهو أن تكون موجودة معدومة.
242
وقد بين في غير هذا الموضع أن تسلسل العلل والمعلولات ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء، وكذلك تسلسل الفعل والفاعلين، والخلق والخالقين، فيمتنع أن يكون للخالق خالق، وللخالق خالق إلى غير نهاية.
245
وهؤلاء فروا من حدوث الحوادث بعد أن لم تكن بلا سبب، وادعوا دوام حدوثها بلا سبب، فكان الذي فروا إليه شرا من الذي فروا منه، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
249
كل طائفة أقامت برهانا على بطلان قول الأخرى، لا على صحة قولها، إذ لا يلزم من بطلان أحد القولين صحة الآخر، إلا إذا انحصر الحق فيهما، وليس الأمر كذلك.
252
ومنشأ ضلال هاتين الطائفتين هو نفي صفات الله وأفعاله القائمة بنفسه، فإنهم لما نفوا ذلك ثم أرادوا إثبات صدور الممكنات عنه، مع ما يشاهدون من حدوثها، لم يبق هناك ما يصلح أن يكون هو المرجح لوجود الممكنات إلا لما شوهد حدوثها منها ولا لغير ذلك.
¥